كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 3)

أجمع أهل العلّم، حكى ذلك عنه محمّد بن نصر المروزي.
وقال قوم آخرون: إنّ الأرواح كلّها في الصُّور، وهو حديثٌ ضعيفٌ، والصّحيح أنّ الأرواح تُنَعَّم وتُعَذَّب (¬1) حيث ما كانت من عِلمِ اللهِ.
وأمّا أرواح الكُفّارِ، ففي سجِّين في أسفل سافلين، وإنّها تعذَّب إلى يوم القيامة، يعرض عليها بالغُدُوِّ والعَشِيِّ العذاب.
الفائدةُ الرّابعة:
قوله: "نَسَمَةُ المُؤْمِنِ طَائِرٌ" تعلّق أهل التّناسخ بهذا الحديث لقوله: "في حَوَاصِلِ طَيرِ خُضْرٍ" ولا دليلَ لهم فيه، والصّحيحُ أَنَّه على ظاهر من قوله: "طَائِرٌ يَعْلَقُ في شَجَرِ الْجَنَّةِ" فكأنّه مطلق سارح فيها (¬2) كما يسرح الطّائر، ولا يحتاج في ذلك أنّ يكون في جَوفِ طائر؛ لأنّه لم يثبت في حديث، فلا يُعَوَّل عليه.
الفائدةُ الخامسة:
قوله: "حَتَّى يَبعَثُهُ اللهُ" والبَعثُ هو إثارة الشّيء عن خفاء، أو تحريكٌ عن سُكُونٍ، وله في اللّغة ثلاث معان:
الأوّل: بعث الشّيء أثارهُ، ومنه بعث الموتى، وبه سُمَّيَ يوم القيامة يوم البعث.
الثّاني: بعث الرُّسُل، كما قال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا} الآية (¬3).
الثّالث: البعث التّحريض على الشيء، يقال: بعثمت فلانًا على كذا، إذا حرّضته عليه.
وحقيقة البعث: تحريك الشّيء بعد سكونه في إزعاج واستعجال، وإليه يرجع جميع ما تقدّم، والبارىء سبحانه هو الّذي يحرِّك المؤمن إلى العرض والجزاء.
حديث مَالِك (¬4)، عَنْ أَبي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَن أَبي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - قَالَ: "يقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِذَا أَحَبَّ عَبدِي لِقَائِي، أَحبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَإِذَا كَرِهَ عَبْدِي لِقَائي، كَرِهتُ لِقَاءَهُ".
¬__________
(¬1) جـ: "تتنعم وتتعذب".
(¬2) جـ: "فيه".
(¬3) الجمعة:2.
(¬4) في الموطّأ (644) رواية يحيى.

الصفحة 601