كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 3)

الإسناد:
هذا حديث صحيِح متَّفَقٌ عليه، خرّجه الأيِمّة مسلم (¬1) والبخاريّ (¬2)، وخرَّجَهُ ابن أبي شَيْبَة في "مُصَنَّفِهِ" (¬3) قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أنا (¬4) محمّد بن عمرو، عن أبي سَلَمَة عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم -:"من أحبَّ لقاءَ اللهِ، أحبَّ اللهُ لقاءَهُ، ومن كرِهَ لقاءَ اللهِ، كرِهَ اللهُ لقاءَهُ"، قيل: يا رسول الله، ما مِنَّا أَحَدٌ إلّا وهو يَكرَهُ الموتَ، فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "إذا كان كذلك كشفَ لَهُ، فيرى ما يسير إليه، فحينئذٍ يحبّ اللِّقاء أو يكره اللِّقاء".
ذكر الفوائد المنثورة في هذا الحديث:
الفائدةُ الأولى (¬5):
قال أبو عُبَيد (¬6) في معنى هذا الحديث: ليس وَجهُهُ عندي أنّ يكون الإنسان يكرهُ الموتَ وشدَّته، فإن هذا لا يكاد يَخْلُو منه لا نبيُّ ولا وليٌّ (¬7)، ولكن المكروه من ذلك إيثارُ الدّنيا والرُّكون إليها، وكراهية أنّ يصيرَ إلى الله والدّار الآخرة، ويُؤثِرُ المقام في الدُّنيا.
قال (¬8): وممّا يُبيِّن لك هذا؛ قوله تعالى إذ عاتب قومًا يحبّون الحياة الدّنيا وزِينَتَها، فقال عزّ من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية (¬9)، وقال في اليهود: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} الآية (¬10)، وقال: {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا} (¬11) يعني الموت.
¬__________
(¬1) في صحيحه (2685).
(¬2) في صحيحه (7504) من طريق مالك.
(¬3) لم نجده في المصنف، ورواه ابن عبد البرّ في الاستذكار: 8/ 362 - 363 من طريق ابن أبي شيبة.
(¬4) جـ: " أخبرنا".
(¬5) حتّى آخر الفقرة الثّانية مقتبس من الاستذكار: 8/ 362.
(¬6) في غريب الحديث: 2/ 202 - 204.
(¬7) في الاستذكار: "لا يكاد يخلو منه أحد نبيّ ولا غيره" وفي غريب الحديث: "لأنّه بلغنا عن غير واحد من الأنبياء عليهم السّلام أنّه كرهه حين نزل به وكذلك كثير من الصالحين".
(¬8) الكلام موصول لأبي عبيد.
(¬9) يونس:7.
(¬10) البقرة: 96.
(¬11) الجمعة:7.

الصفحة 602