كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 3)

يحكمُ له بحُكمِهِما، وإن كان قد (¬1) ولد على الفِطْرَةِ حتّى يكون ممّن عبّر (¬2) عنه لسانه.
واحتجوا برواية كلّ مَنْ رَوَى: "كلّ بني آدم يُولَدُ على الفطرة" (¬3) وقوله: "ومَا مِن مَوْلُودٍ إلَّا وهو يُولَدُ على الفطرة" (¬4) وهذا عمومٌ مُطْلَقٌ، وحقُّ (¬5) الكلام أنّ يُحْمَل على عمومه، ولقوله: "خَلَقتُ عِبَادِي كلُّهم حُنَفَاء مُسْلِمِين" (¬6).
نكتةٌ:
والفطرة: الابتداء، يقال أوَّل ما فَطَرَ، أي: بَدَأَ، خلقهم على الفطرة، أي: بَرَأَهُم على الإسلام والإيمان.
والفطرةُ (¬7) الّتي يُولَدُ النَّاسُ عليها هي السّلامة والاستقامة، بدليل (¬8) حديث عِيَاض بن حمار (¬9)، عن النّبىَّ - صلّى الله عليه وسلم - حَاكِيًا عن ربِّهِ عَزَّ وَجَلَّ بقوله: "خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ" (¬10) يعني على الاستقامة والسّلامة.
والحنيفُ في كلام العرب: المستقيمُ السَّالِمُ، وإنّما قيل للأعرج: أَحْنَف على جِهَةِ التَّقاؤُلِ، كما قيل للقَفْرِ: مفازة، فكأنّه أراد- والله أعلم- الّذين خلصوا من الآفات كلَّها من المعاصي والطّاعات، فلا طاعةَ منهم ولا معصية، إذ لم يعملوا ولا عملوا (¬11) بشيء من ذلك، ألَّا ترى إلى قوله للخضر: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} الآية (¬12)، يعني: لم يعمل العمل، ولم يكتسب الذّنوب.
وإما الحديث عن أُبَيّ بن كعب؛ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ الغُلام الّذي قَتَلَهُ
¬__________
(¬1) غ، جـ: (قد) والمثبت من الاستذكار.
(¬2) في الاستذكار: "يعبّر".
(¬3) هذه رواية جعفر بن ربيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة، وكذا رواه خالد الواسطي عن عبد الرّحمن بن
إسحاق، عن أبي الزناد، عن الأعرج. أخرجه أبو يعلى (6306) وانظر التمهيد: 18/ 64.
(¬4) أخرجه البخاريّ (1359، 4775).
(¬5) الكلام التالي من زيادات المؤلَّف على نصِّ الاستذكار.
(¬6) أخرجه مسليم (2865) من حديث عياض بن حمار المُجاشعيّ.
(¬7) من هنا إلى آخر الفقرة الثّانية مقتبس من الاستذكار: 8/ 379.
(¬8) "بدليل" زيادة من الاستذكار.
(¬9) ع: "حيان"، جـ: "عثمان" والصّواب ما أثبتناه.
(¬10) أخرجه مسلم (2865).
(¬11) بر: "يعلموا ولا علموا".
(¬12) الكهف: 74.

الصفحة 609