كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 3)

المسألة الثّالثة (¬1): في حدّ العورة
وقد اختلف فيها على ثلاثة أقوال:
القول الأوّل: أنّ العورة الّتي يجب سترها: ما بين السُّرَّةِ إلى الرُّكْبة، هذا الّذي ذهب إليه جمهور أصحابنا (¬2). وبه قال أبو حنيفة (¬3)، والشّافعىّ (¬4).
القول الثّاني: قال علماؤنا (¬5): العورة القُبل والدُّبُر والفخذان.
القول الثّالث: رأى أهل الظاهر (¬6) أنّ العورةَ القُبُل والدُّبُر خاصّة.
والدليل على ما ذهب إليه الجمهور: قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "غطِّ فَخِذَكَ فإنَّ الفَخِذَ عَوْرةٌ" (¬7).
ومن جهة المعنى: أنّ هذا موضع سترة، فوجب أنّ يكون من السُّتْرَةِ كالقُبُلِ والدُّبُر (¬8).
المسألة الرّابعة (¬9):
قال الإمام: فإذا ثبت هذا، فقد رُوِيَ عن أبي حنيفة أنَّه قال: العورة على ضربين: مغلّظة، ومخفّفة. فالمغلّظة: هي القُبُل والدُّبُر. والمخفَّفَة: سائر ما ذكرنا أنّه من العورة (¬10).
¬__________
(¬1) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 1/ 247 - 248.
(¬2) انظر التلقين: 36؛ والاشراف: 1/ 90 (ط. نونس) وعيون المجالس:1/ 309، وشرح التلقين للمازري: 2/ 470 ..
(¬3) انظر مختصر اختلاف العلماء: 1/ 306.
(¬4) في الأم: 2/ 88، وانظر الحاوي الكبير: 2/ 165.
(¬5) المواد هو أبو القاسم بن الجلّاب، وانظر قوله في التّفريع: 1/ 240، وقد رجع المؤلِّف إليه بواسطة الباجي.
(¬6) في المنتقى: "ويروى عن بعض أهل الظّاهر"، وانظر رسالة في مسائل الإمام داود للشطِّي: 11، والمحلّي: 3/ 210.
(¬7) أخرجه الأزدي في الجامع (19808)، والحميدي (857)، وأحمد: 3/ 479، والترمذي (2798) وقال: "هذا حديث حسن"، والطبراني في الكبير (2139) من حديث جَرْهد.
(¬8) الّذي في المنتقى: " أنّ هذ موضع يستره المئزر غالبًا، فوجب أنّ يكون من العورة كالقبل والدّبر" والملاحظ أنّ ابن العربي صَحَّحَ في كتابه أحكامِ القرآن: 2/ 779. قول من قال أنّ الفخذ ليس بعورة، وعلل ذلك بأنّها ظهرت من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - يوم جَرَى في زقاق خَيْبَر، ولانّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - كان يَصِلُها بافخاذ أصحابه، ولو كانت عورة ما وصلها بها.
(¬9) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 1/ 248.
(¬10) يقول الباجي عقب هذا القول: "ليس ببعيد عندي هذا القول". وذكر المؤلِّف في أحكام القرآن: 2/ 779 أنّه قول علماء المالكية.

الصفحة 61