لِذَنْبِكِ} الآية (¬1)، فاسْتَغْفَرَ لهم ودَعَا، ولو شاء اللهُ لاستغفرَ لهم من مكانِهِ، ولكنَّ الله أراد أنّ يُبَيِّن الإتيانَ إليها، إلَّا للنّساء فإنَّ النَّهيَ فيه ثابتٌ صحيحٌ وثبت أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - لعنَ زوَّارات القبور. وقال بعضهم: دخلن في عموم الرُّخْصة للرِّجالِ.
وقد ثبتَ (¬2) أنّ عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ تُوُفِّي في حُبْشِيّ (¬3)، فَحُمِلَ إلى مكَّة فدُفِنَ بها، فلمّا قَدِمَتْ عائشةُ أتت (¬4) قَبْرَ عبد الرّحمن، فقالت (¬5):
وكُنَّا كنَدْمَانَي جَذِيمَةِ حِقْبَةٍ ... مِنَ الدَهْرِ حتَّى قيل لن يتَصَدَّعَا
فَلَمَّا تَفَرَّقنَا كَأَنَّي ومَالِكا ... لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبِت لَيلَةً معا
وزادَ الطَّرطُوشِيْ (¬6):
كأنّا خُلِقنَا للنَّوَى وكأَنَّما ... حرامٌ على الأيّام أنّ نجتمعا (¬7)
ثم قالت رضي الله عنها: لو حَضَرْتُكَ ما دُفِنْتَ إلَّا حيثُ مُتَّ، ولو شَهِدْتُكَ مَا زُرْتُكَ.
وكان عبدُ الرّحمن قد مات في نومة كان نامها بحبشي، وحُمِلَ إلى مكّة، وهي (¬8) على عشر أميال منها.
وقال بعضهم: إنّما خرج إلى البقيع ليعمّهم بالدُّعاء؛ لأنّه ربّما دُفِنَ مَنْ لم يصلّ عليه كالمِسْكِينَة ونحوها (¬9)، وهو كلامٌ خرجَ مخرجَ العُموم ومعناه الخُصوص، كأنّه قال: بعثتُ إلى أهل البقيع لأُصَلِّي على مَنْ لم أصلّ عليه من أصحابي، ليعمّهم بذلك، واللهُ أعلمُ.
حديث مَالِك (¬10)، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: أَسْرِعُوا يِجَنَائِزِكُم، فَإِنَّمَا هُوَ
¬__________
(¬1) سورة محمّد: 19.
(¬2) في مصنّف عبد الرزّاق (6535)، وجامع التّرمذيّ (1005) عن ابن جُرَيج، عن عبد الله بن أبي مُليكَة.
(¬3) انظر معجم ما استعجم للبكري: 1/ 422.
(¬4) جـ: (رأت).
(¬5) البيتان هما لمتمّم بن نويرة في ديوانه: 111.
(¬6) نصّ المؤلِّف في العارضة: 4/ 274 على أنّ الطرطوشي لم يذكر سندًا في إيراده هذا البيت.
(¬7) كذا والوزن لا يستقيم.
(¬8) أي حبشي.
(¬9) حكاه ابن عبد البرّ في الاستذكار: 18/ 414 - 415، والتمهيد: 20/ 111.
(¬10) في الموطَّأ (651) رواية يحيى.