كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 3)

الجمعُ بين الصَّلاتين فيى الحَضَر والسَّفَر
الإسناد (¬1):
الحديثُ صحيحٌ، مُتَّفَقٌ عليه (¬2)، خَرَّجَهُ الأيمّة (¬3)، وكلُّهم قال: كان ذلك في غزوة تَبُوك.
الأصول:
قوله: في هذا الحديث: "كَانَ يَجمَعُ بَينَ الظُّهرِ وَالعَصْرِ" إنّما ذلك على وجه الرَّفْقِ بالمصلِّي (¬4)، وذلك أنّ الله تبارك وتعالى نصب أوقات الصّلوات وَقْتًا يختصُّ بها ثمّ لمّا عَلِمَ من ضَعْفِ العباد وقِلَّة قدرتهم على الاستمرار في الاعتياد (¬5)، وما يطرأ عليهم من الأعذار الّتي لا يمكلنهم دفعها عن أنفسهم، أرخصَ لهم في نقل صلاة إلى صلاة (¬6)، وجمع المفترق منها، كما أذِنَ في تفريق الجمع أيضًا، رخصةً في قضاء رمضان إذا أفطَرَهُ لعُذرِ المرض والسَّفَر، وقد (¬7) ثبت عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - ذلك.
وأطنب فيه مالكٌ، لأجلِ قول أبي حنيفة في أهل العراق (¬8): إنّ الجمع بدعةٌ، وبابٌ من أبواب الكبائر؛ لأنّ فيه إخراج الصّلوات عن أوقاتها، تعلُّقًا بحديث ابنِ عبّاس
¬__________
(¬1) كلام المؤلِّف في هذا الموضع هو عن إسناد حديث الموطَّأ (382) رواية يحيى، عن مالك، عن داود بن الحُصن، عن الأَعْرَج؛ أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجمعُ بين الظُّهر والعصر في سَفَرِهِ إلى تبوك. يقول ابن عبد البرّ في الاستذكار: 6/ 10 "هكذا رواه أكثر الرّواة عن مالك مرسلًا" ويقول ابن عبد البر في التمهيد: 2/ 337 "مُرْسَلٌ من وجه، متَّصِلٌ من وجه صحيح".
(¬2) لا يقصد المؤلِّف بكلمة "الاتفاق" التعبير الاصطلاحي أي اتفق على إخراجه البخاريّ ومسلم، ولكن يقصد أنّه متَّفَقٌ على اتِّصالِ سَنَدِهِ.
(¬3) مثل أبي بكر بن المقرئ في المنتخب من غرائب أحاديث مالكٌ (26) والجوهري في مسند الموطّأ (326) وابن عبد البرّ في التمهيد: 2/ 337 - 339، وانظر كتاب الإيماء للدّاني: 3/ 420.
(¬4) الشرح السابق مقتبس من المنتقى: 1/ 252 انظر ما بعده في القبس: 1/ 324 - 325.
(¬5) في النُّسَخ: "الاعتماد" والمثبت من القبس.
(¬6) "إلى صلاة" زيادة من القبس.
(¬7) في النُّسَخِ: "قد" والمثبت من القبس.
(¬8) انظر مختصر الطحاوي: 23، 24، ومختصر اختلاف العلماء: 1/ 292.

الصفحة 66