كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 3)

عبد مناف. وقد أقام إسناده جماعة من رُوَاةِ ابن شهاب وسمّو الرَّجُل، منهم: معمر، ويونس، والليث" (¬1).
التفسير (¬2):
قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} الآية (¬3)، اعلموا أنّ ظاهر القرآن يقتضي أنّ القَصْرَ مشروطٌ بالخَوْفِ والسَّفَر، فَبّيَّنَ عمر بن الخطّاب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّ القصرَ مع الأمْن في السَّفَر صدقةٌ من الله، ثبتت (¬4) بفعل رسول الله عيَهتَ حين كان يقصر الصّلاة وهو مسافرٌ خائفا وآمِنًا. وإلى هذا السَّفَر أشار عبد الله بن عمر (¬5) في جوابه لأسِيد حين قال له: "إنّ اللهَ بعثَ إلينَا محمَّدًا ونحنُ لا نَعْلَمُ شَيئا، فإنّما نفعلُ كما رأيناهُ يفعلُ". إلَّا أنّ الإشكالَ الأكبر ما رواه مسلم (¬6) عن ابن عبّاس؛ أنّه قال: "فرَضَ اللهُ الصلاةَ على لسانِ نبِيِّكُم في الحَضَرِ أربعًا، وفي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وفي الخَوْفِ وَاحِدَةٌ". قال علماؤنا: هذا الحديث مردودٌ بالإجماعِ.
جواب: إنّ هذا الخبر لمِ يُخبِر به ابن عبّاس عن النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - (¬7)، وإنّما أخبر به عن الله والدِّين، فيحتملُ أنّ يكون أَخَذهُ من ظاهر القرآن؛ لأنّه قال تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} (¬8) فخاطبَ المسافرينَ الّذين صلاتهم ركعتان بالقَصْرِ لِعِلَّةِ الخوف، فلابدّ أنّ تكون واحدة.
وأمّا حديث عائشة (¬9): "فُرِضتِ الصَّلاةُ ركْعَتَيْنِ" فأجاب عنه علماؤنا بخمسة أوجه:
أحدها: - أنّها لم تخبر بذلك عن النّبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنّما أخبرت عن حال قد يدركها كل أحَدٍ (¬10)؛ لأنّ المسافر فَرْضهُ ركعتان، والمقيم فَرْضُه أربع، وهذا ثابتٌ في الدِّين قطعًا.
¬__________
(¬1) انظر الأسانيد إليهم في التمهيد: 11/ 161 - 164.
(¬2) انظره في القبس: 1/ 328 - 331.
(¬3) النِّساء: 101.
(¬4) في القبس: 1/ 322 (ط. الأزهري) "تبيّنت".
(¬5) كما في حديث الموطَّأ (389) رواية يحيى.
(¬6) الحديث (687).
(¬7) - صلى الله عليه وسلم -.
(¬8) النِّساء: 101، وانظر أحكام: 1/ 484.
(¬9) الّذي رواه مالك في الموطَّأ (390) رواية يحيى.
(¬10) في النُّسَخِ: "حال قد أدركتها [وفي غ: أدركها، حال آخر" والمثبت من القبس.

الصفحة 73