كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 3)

المسألة الثّانية (¬1):
اختلفَ العلماءُ في القصرِ الّذي رفعَ اللهُ الجُنَاح فيه بقوله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} الآية (¬2)، على خمسة أقوال:
الأوّل: أنّه أراد به القصر من طُولِ القراءة والرّكوع والسّجود، دون أنّ ينقص من عدد الرَّكعات عند الخوف قبل أنّ تنزل صلاة الخوف.
والقولُ الثّاني: أنّه (¬3) القصر من حدود الرَّكعات (¬4) بصلاتهم إيماءًا إلى القِبْلَةِ، وإلى غير القبلَةِ عند شِدَّةِ الخوف والتحام الحرب، كقوله في آية البقرة: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (¬5).
والقولُ الثّالث: أنّه القصر من أربع ركعات إلى ركعتين عند الخوف.
الرّابع: أنّه القصر من ركعتين إلى ركعة عند الخوف، وعلى هذا يأتي ما رُوِيَ عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -؛ أنّه صَلَّى بكلِّ طائفةٍ ركعة ولم يقضوا (¬6) (¬7).
والخامس: أنّه القصر من أربع إلى ركعتين في السَّفَر من غير خوفٍ، على ما رُوِيَ عن علي بن أبي طالب؛ أنّه قال: سأل قومٌ من التُّجَّارِ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: إنَّا نضربُ في الأرض، فكيف نصلِّي؟ فأنزلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} وانقطعَ الوحيُ، فلمّا كان بعد ذلك بحَوْلٍ، غَزَا رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - فصلَّى الظُّهر، فقال المشركون: لقد أمكنكم محمدٌ وأصحابُه منَ ظهورهم، هلا شددتم عليهم؟ فقال قائل منهم: إنّ لهم أخرى مثلها في إثرها. فأنزل اللهُ بين الصّلاتين: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية، وقوله: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} الآية (¬8)، فنزلت في صلاة الخوف (¬9). ومن هنا قال بعض
¬__________
(¬1) هذه المسألة مقتبسة من المقدِّمات الممهدات: 1/ 208 - 209، 211.
(¬2) النِّساء: 101.
(¬3) "أنّه" زيادة من المقدِّمات.
(¬4) في المقدِّمات:"الصّلاة".
(¬5) البقرة: 239.
(¬6) في النُّسَخِ: "يقصر" والمثبت من المقدِّمات والمصادر.
(¬7) أخرجه ابَن خزيمة (1347)، والطبراني في الأوسط (8981) من حديث جابر بن عبد الله.
(¬8) النِّساء: 101 - 102.
(¬9) حديث علي أخرجه الطّبريّ في تفسيره: 7/ 407 (ط. هجر)، وانظر تفسير القرطبي: 5/ 362.

الصفحة 79