كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 3)

صلاةُ المسافر إذا كان إمامًا
في هذا الباب مسائل:
المسألة الأولى (¬1):
"كانَ عمرُ إذا قَدِمَ مكَّةَ صلّى بهم ركعتين" (¬2) لأنّه كان لا يستوطن مكَّةَ، وإن أقام اليومين والثّلاثة؛ لأنّ المهاجر ممنوعٌ من استيطإنها؛ لأنّه (¬3) قد هجرها لله تعالى، فكان حُكمُهُ فيها حكم المسافر.
تنبيه على إشكالٍ (¬4):
قال الإمام: وقع الإشكال الّذي هذه الإقامة بمكّة، وإنَّي لأعجب من قول ابن عبَّاس- مع سَعَةِ عِلْمِهِ وتَبَحْبُحِهِ في الأخبار والآثار-: أقام رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - بمَكَّةَ خمسة عشر يومًا يقصرُ الصّلاة، فنحنُ إنّ أقَمْنَا خمسة عشر يومًا قصرنَا، وإنْ زِدْنَا أَتممْنَا (¬5). ورُوِيَ سبعة عشر يومًا (¬6)، وإقامةُ النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - في هذه المرة لم تكن بنيّة الإقامة، وإنّما كان متوكِّفًا للرّحيل مُتَشَوِّقًا إلى القفول، والعوارض تلويه، حتّى تجرَّدَ عنها. ومَنْ أقام على هذه الحال سَنَة قصر الصّلاة، لكن مالكًا - رحمه الله - رأى حديث النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -:"يمكثُ المهاجرُ بمكَّةَ ثلاث ليالٍ" (¬7) فركّب عليه.
وجهُ التَّركيبِ (¬8):
وذلك أنّ الله حرم على المهاجرين الإقامة بمكَّة؛ لأنّهم تركوها لئه، فلم يجز الرُّجوع فيها، كما لا يجوز الرّجوع في الصَّدَقَةِ. فلمّا اْذِنَ النَبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - لهم في ثلاثة أيّام
¬__________
(¬1) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 1/ 266 - 267.
(¬2) رواه مالكٌ في الموطَّأ (404) رواية يحيى.
(¬3) في المنتقى: "لأنّها".
(¬4) انظره في القبس: 1/ 332 - 333.
(¬5) أخرجه مختصرًا النسائي في الكبرى (511)، وأبو داود (1231)، وابن ماجه (1076)، والبيهقي: 3/ 151 من حديث ابن عبّاس.
(¬6) أخرجها ابن أبي شيبة (8211)، وأبو داود (1230)، وابن حبان (2739) من حديث عكرمة عن ابن عبّاس.
(¬7) أخرجه البخاريّ (3933)، ومسلم (1353) من حديث العلاء بن الحضرمي.
(¬8) انظره في القبس: 1/ 333 - 334.

الصفحة 84