كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 3)

بعد قضاء الحَجِّ، دلَّ على أنّ الثلاثة ليست في حُكْمِ الإقامة المحرَّمَة، فعدلَ عن هذا الحديث وترَكَهُ؛ لأنّه من رواية الوحْدَانِ، واللهُ أعلم.
وسمعتُ بعض علماء المالكية وأحبارها يقول: إنّما كانت الثلاثة الأيام خارجة عن حُكْمِ الإقامة؛ لأنّ الله تعالى أَرْجَأَ فيها مَنْ أنزلَ به العذاب وتيقَّنَ الخروج عن الدُّنيا، فقال: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} الآية (¬1). وأدخل (¬2) قول سعيد بن المسيَّب: "مَنْ أَجْمَعَ إقَامَةَ أربعة أيّامٍ (¬3) وهو مسافرٌ، أتَمَّ الصّلاَة" إذ لم يجد أَنصَّ منه في الغَرَضِ، وإن كان ليس بحُجَّةٍ يُتَوَسَّل به إلى طلب الحُجَّة.
تكملة (¬4):
لم يختلف العلماء في مكثه عام الفتح بمكَّة -عليه السّلام-، واختلفوا في قَدْرِ ذلك على أقوال:
القول الأوّل: ما ذكره مالكٌ (¬5)، وقوله (¬6): "أَحَبُّ ما سمعتُ إِلَيَّ في ذلك" لأنّه سمع الخلاف فيه.
القول الثّاني: قال الشّافعيّ (¬7): إنّ عزم أنّ يقيم بموضع أربعة أيّام ولياليهنّ أَتَمَّ الصّلاة، ولا يجب ذلك يوم نزوله.
وأسند أبو بكر بن أبي شَيبَة في مُسْنَدِه (¬8)، عن ابن المسيَّب قال: إذا أجمعَ الرَّجُلُ إقامةَ خمسة عشر أتَمَّ الصّلاة، وهو حديثٌ صحيحُ الإسناد.
وقال اللَّيث: إنّ نَوَى إقامة خمسة عشر فما دون قَصرَ، وإن نَوَى أكثر من ذلك أَتَمَّ الصّلاة، وزعم أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - لم يقصر، مقيمًا في سَفَرِهِ أكثر من هذه المدّة، فمن زاد عليها شيئًا لَزِمَهُ الإتمام.
¬__________
(¬1) هود: 65.
(¬2) الإمام مالكٌ في الموطَّأ (402) رواية يحيى.
(¬3) في الموطَّأ: "أربع ليالٍ".
(¬4) هذه التكملة مقتبسة من الاستذكار: 6/ 101 - 107 بتصرّف.
(¬5) في الموطَّأ (402) رواية يحيى.
(¬6) عقب الأثر السّابق.
(¬7) في الأم: 3/ 27، وانظر الحاوي الكبير: 2/ 371.
(¬8) وكذلك رواه في مصّنفه (8212).

الصفحة 85