كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 4)

واختلف قول مالك فيمن أفاض قبل أنّ يَحْلِق؟ فذكر ابن عبد الحَكَم (¬1) قال: ومن أفاض قبل أنّ يَحْلِق، فليَحْلِق ثمّ ليُفِضْ ولا شيء عليه، وقد قال: يَحْلِق وينحر ولا شيء عليه، قال: والأوّل أحبّ إلينا.
وقال ابنُ حبيب: يعيدُ الإفاضةَ.
وليس في تأخير الحِلاق حرجٌ إذا شغَلَه عنه ما يمنعه منه.
وأمّا قول مالك (¬2): "التَّفَثُ: حِلَاقُ الشَّعْرِ ولُبْسُ الْخُفِّ (¬3) وما يَتْبَعُ ذَلِكَ" فهو كما قال: لا خلاف في ذلك.
وسُئِلَ مَالِكٌ (¬4) عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ حَلْقَ رَأْسِهِ فِي الْحَجِّ، هَلْ لَهُ رُخْصَهٌ أَنْ يَحْلِقَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: ذَلِكَ وَاسِعٌ وَالحِلَاقُ بِمِنىً أَحَبُّ إلَىَّ" وإنَّما استحبَّ ذلك ليكون حَلْق رأسه في حَجِّه حيث ينحر هَدْيه، وذلك في مِنىً، وهو مَنْحَرُ الحاجِّ عند الجميع من الجماهير (¬5)، وأجازه بمكّة. كما يجوز النّحْرُ بمكّة لمن لم ينحر بمِنىً؛ لأنّ الهَدْيَ إذا بلغ مكَّة فقد بلغ محلَّه.
وقول مالك (¬6): "الأمْرُ المُجْتَمَعُ عَلَيْهِ الَّذِي لا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا، أنَّ أحَدًا لا يَحْلِقُ رَأسَهُ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَهُ، وَلَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ (¬7) حتَّى يَحِلَّ بمِنىً يومَ النَّحْر، وذلك أنّ اللَّهَ تَعَالَى قالَ: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (¬8).
واختلف العلماء فيمن حلقَ قبل أنّ ينحر أو قبل أنّ يرمي؟
فقال مالك: إذا حَلَقَ قبل أنّ يرميَ فعليه دمٌ (¬9)، وإن حَلَقَ قبل أنّ ينحرَ فلا شيء عليه (¬10).
¬__________
(¬1) في المختصر كما في النّوادر والزيادات: 2/ 410.
(¬2) في الموطّأ (1175) رواية يحيى.
(¬3) كذا بالأصل وفي الاستذكار والموطّأ: "الثيّاب" وهو الصّحيح.
(¬4) في الموطّأ (1176) رواية يحيى.
(¬5) أي جمهور العلماء، وهذا اللفظ من إضافات المؤلّف على نصّ ابن عبد البرّ.
(¬6) في الموطّأ (1177) رواية يحيى.
(¬7) في الاستذكار والموطّأ بزيادة: "عليه".
(¬8) البقرة: 196.
(¬9) قاله مالك في الموطّأ (1256) رواية يحيى.
(¬10) قاله مالك في المدونة: 2/ 418 في رسم في دخول مكّة.

الصفحة 441