كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 4)

حديث:
قال رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم -: "لا تحجُّ المرأةُ ولا تسافرُ المرأةُ إلّا مع ذي مَحْرَمِ" (¬1)، واختُلِفَ في ألفاظ هذا الحديث (¬2) في هذه المسألة.
واختلف الفقهاء هل يكون المَحْرَمُ من السّبيل للمرأة أم لا؟ فقال مالك ما رَسَمَهُ في "موطّئه" ولم يختلف فيه عنه ولا عن أصحابه، وهو قول الشّافعيّ (¬3) في أنّها تخرجُ مع جماعة (¬4) النِّساء، قال: ولو خرجت مع امرأة مسلمة ثقة فلا شيء عليها.
وقال ابنُ سيرين: جائز أنّ تحجّ مع ثِقَةٍ من ثقات المسلمين (¬5) من الرِّجال، وهو قولُ الأوزاعيّ، قال الأوزاعيّ: تخرجُ مع قومٍ عُدُولٍ، وتتّخذُ سُلَّمًا (¬6) تصعدُ عليه وتنزل، لا يَقْرَبُها رَجُل.
وكلّ هؤلاء يقول: ليس المَحْرَمُ للمرأة من السّبيل، وهو مذهب عائشة؛ لأنّها قالت: ليس كلّ امرأة لها محرم أو تجد ذا محرم (¬7).
وقالت طائفة: المَحْرَمُ للمرأة من السّبيل، فإذا لم يكن معها زوجها، ولا ذو مَحْرَمٍ منها، فليس عليها الحجِّ؛ لأنّها لم تجد السَّبيل، وممَّن ذهب إلى هذا الحسن البصري والنّخعىّ وأبو حنيفة (¬8) وابن حنبل (¬9).
وحُجَّة من رأى المَحْرَمَ من السَّبيل: ظاهرُ قولِ النَّبىِّ - صلّى الله عليه وسلم -: "لا تُسَافِرُ المَرْأَةُ إِلَّا
¬__________
(¬1) أخرجه - مع اختلاف في الألفاظ - البخاريّ (1088)، ومسلم (1339) عن أبي هريرة، ومن حديث ابن عمر أيضًا أخرجه البخاريّ (1086، 1087)، ومسلم (1338).
(¬2) في الاستذكار: "ألفاظ هذه الأحاديث".
(¬3) في الأمّ: 3/ 291 (ط. فوزي) وانظر: الحاوي: 4/ 363، والبيان للعمراني: 4/ 35.
(¬4) في الاستذكار: "جملة".
(¬5) في الاستذكار: " ... تحجّ مع ثقات المسلمين" وفي المغني لابن قدامة: 5/ 31 "قال ابن سيرين: تخرجُ مع رجل من المسلمين لا بأس به" قلنا: ولفظ الاستذكار أقرب إلى الصواب، والله أعلم.
(¬6) للهودج أو الراحلة.
(¬7) أصل هذه الرِّواية عزاها ابن عبد البرّ إلى عبد الرزّاق في المصنّف، ولم نجدها في المطبوع منه، وحديث عائشة أخرجه الطحاوي في معاني الآثار: 2/ 115، وابن حبّان في صحيحه 4/ 178 ("الإحسان رقم: 2733)، والبيهقي في سننه: 5/ 226، وأبو منصور الشيحي في جزء فيه استدراك أم المؤمنين عائشة على الصّحابة: 65، وانظر الإجابة لإيراد ما استدركه عائشة على الصّحابة للزركشي: 130.
(¬8) انظر كتاب الأصل: 2/ 514، ومختصر اختلاف العلماء: 2/ 576، ومختصر الطحاوي: 59.
(¬9) انظر: المغني لابن قدامة: 5/ 30.

الصفحة 476