كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 4)

والزكاةُ من إحدى دعائم الإسلام، قرنَها النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - بمَحْضِ الإيمان، وقرنها بالصَّلاةِ.
وأمّا الأثرُ والنَّظَر، فإنّه ذَكَرَ مالك (¬1)، عن عبد الله بن دينارٍ؛ أنَّه قال: سمعتُ عبد الله بن عمر يسأل عن الكَنْزِ ما هو؟ فقال: هو المالُ الّذي تُؤَدَّى زكَاتُه، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ...} الآية، إلى قوله {تَكْنِزُونَ} (¬2).
وقال علماؤنا (¬3): إنَّ الضَّميرَ الّذي في قوله تعالى: {وَلَا يُنْفِقُونَهَا} عائدٌ على الزَّكاةِ، وإِنْ كان لم يتقدَّم لها ذِكْرٌ؛ لأنّها المراد بالاتِّفاق.
وقيل: إنّه يعودُ على الفِضَّة، والذَّهَبُ داخلٌ فيها بالمعنى.
وقيل: إنّه لَمَّا كان المعنى في الذَّهب والفِضَّة سواء (¬4)، جازَ أنّ يرجِعَ الضَّمير إليهما جميعًا بلفظٍ يعودُ على الكَنْزِ، والمرادُ بذلك الزَّكاة الواجبة فيهما.
الآثار الواردة في مانع الزّكاة ثلاثة أحاديث:
الحديثُ الأوَّل: حديث سُلَيْم بن عامر، قال: سمعت أبا أُمامة يقولُ (¬5): سمعتُ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ في حَجَّة الوداع، فقال: "اتَّقُوا ربَّكم، وصَلُّوا خَمْسَكُم، وصومُوا شهرَكُم، وأَدُّوا زكاةَ أموالِكم، وأطيعوا أمراءَكُم، تدخلُوا جنَّة رَبِّكُم". إسناده حسنٌ صحيحٌ، خَرَّجَه التّرمذي (¬6).
الحديث الثّاني: حديث المَعْرورِ بن سُوَيْد، عن أبي ذرّ، قال: جئتُ إلى النّبىِّ - صلّى الله عليه وسلم - وهو جالسٌ في ظلِّ الكعبةِ، قال: فرآني مُقْبِلًا فقال: "همُ الأَخْسَرونَ ورَبِّ الكعبةِ"، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: "الأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا ألَّا مَنْ قالَ: هكذا هكذا" (¬7).
¬__________
(¬1) في الموطّأ (695) رواية يحيى.
(¬2) التوبة: 34، وانظر أحكام القرآن: 2/ 931 - 932.
(¬3) المقصود هو الإمام ابن رشد في المقدِّمات الممهدّات: 1/ 273.
(¬4) "سواء" زيادة من المقدِّمات.
(¬5) "سمعت أبا أمامة يقول" زيادة من جامع التّرمذيّ يقتضيها السياق.
(¬6) في جامعه الكبير (616).
(¬7) أخرجه البخاريّ (1460، 6638)، ومسلم (990)، والترمذي (617).

الصفحة 6