كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 5)

تنبيةٌ على وهمٍ (¬1):
ظَنَّ بعضُ النَّاسِ (¬2) أنّ بقاء الغزو مع البرّ والفاجر إلى يوم القيامة يخرج من هذا الحديث بقوله: "وَأَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ" بعد قولها بعد ذكر الطّائفتين: "ادْعُ الله يَا رَسُولَ اللهِ أنّ يَجْعَلنِي مِنْهُمْ" في مرّتين، فقال لها أخيرَا: "أَنْتِ مِنَ الأَوَّلين".
ويحتمل أنّ يكون المراد بالطّائفة الثّانية غير الأولى، بقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "نَاسٌ من أُمَّتِي" وذلك يقتضي العموم، ولا للاحتمال.
وفيه: جواز ركوب البحر في الأسفار المباحة، وهو صحيح لعموم قوله: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} الآية (¬3).
حديث مالك (¬4)، عن يحيى بن سعيد, قال: لما كان يوم أحدٍ، قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: " مَنْ يَأتِيِنِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبيعِ الأَنْصَارِيَّ؟ " فقال رجلٌ: أنا يا رسولَ الله، فذهب الرَّجلُ يطوفُ بين القتلى، فقال له سعدُ بنُ الربيع: ما شانُكَ؟ فقال له الرَّجلُ: بعثني إليك رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - لآتِيَهُ بخَبرِكَ. قال: فاذهَت إليه فأَقْرِأهُ منَّي السّلامَ، وأَخبِره أني قد طُعِنْتُ اثنتَيْ
¬__________
(¬1) عبارة المؤلِّف في العارضة: 7/ 150 هي: "ظنّ بعضهم أنّ لقاء العدوِّ مع البرّ والفاجر إلى يوم القيامة مخرّج من هذا الحديث لقوله: "ولست من الآخرين" ويحتمل أنّ يكون المراد بالآخرين هاهنا الطبقة الثّانية لا غير، ولا يدخل فيه الآخرون إلى يوم الدّين، لقوله:"ناس من أمّتي" ولم يذكرها بلفظ يقتضى العموم، ولا بلفظ يحتمله".
(¬2) الظّاهر أنّه يقصد الإمام ابن عبد البرّ، فهو الذى قال فى الاستذكار: 288/ 14، ونحوه في التمهيد: 1/ 234 "وفيه: أنّ الجهاد راية كلُّ إمام عادل أو جائر ماضٍ إلى يوم القيامة؛ لأنّه قد رأى الآخرين ملوكًا على الاسرّة كما رأى الاولين، ولا نهاية للآخرين إلى قيام السّاعة".
(¬3) يونس: 22.
(¬4) في الموطَّأ (1338) رواية بحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (962)، ومعن بن عيسى عند طبقات ابن سعد: 3/ 523 - 524.

الصفحة 107