كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 5)

الفقه في تسع مسائل:
المسألة الأولى (¬1):
قوله: "كانَ السَّيْلُ قَدْ حَفَرَ قَبْرَهُمَا" فيه دليلٌ على أنّهما دُفِنَا في قبرٍ واحدٍ، وذلك أنّه لمّا اشتدّ على المسلمين حفر القبور يوم أُحُد لكثرة القتلى، قال لهم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "احفِرُوا وَعمقُوا وَأَوْسِعُوا، وَادْفنُوا الاثْنَيْنِ والثَّلَاثَةَ في قَبْرٍ، وقَدِّمُوا أَكثَرَهُمْ قرآنًا" (¬2).
فعلى هذا يجوزُ مثله للضّرورة، قال مالك: وإِلَّا فالسُّنَّةُ أنّ يُدْفَنَ كلّ واحدٍ في قبرهِ إذا أَمْكَنَ (¬3).
المسألة الثّانية (¬4):
قوله: (وَهُمَا ممَّن اسْتُشهِدَ يَومَ أُحُدٍ، فَحُفِرَ عَنْهُمَا لِيُغَيَّرَا من مَكانِهِمَا" وكانا صِهْرَيْن واستشهدا يوم أُحُد ودُفِنَا في قبرٍ واحدٍ، فحفَر السَّيْلُ قبرهما (¬5).
وقوله (¬6):" لَا بَأْس أَنْ يُدْفَن الرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ في قَبْرٍ وَاحدٍ، وَيُجْعَلَ الأَكبَرُ مِمَّا يَلِي القِبْلةَ" يريدُ: أنّه لا يُفْعَلُ ذلك إِلَّا من ضرورةٍ، وكذلك قال أشهب: لا يكفّنان في كفنٍ واحدٍ إِلَّا من ضرورةٍ.
المسألة الثّالثة (¬7):
قال علماؤنا (¬8): ويُقَدَّمُ في اللَّحْدِ الأكبرُ، ويُجْعَلُ مِمَّا يلي القِبْلَة، وهذا معنى التَّقديم في اللَّحْد.
¬__________
(¬1) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 3/ 225، وانظر العارضة: 7/ 206 - 207.
(¬2) أخرجه أحمد: 4/ 20، وابن ماجه (1560)، والنسائي: 4/ 83، والترمذي (1713)، قال: وهذا حديث حسن صحيح، والبيهقي: 4/ 34.
(¬3) الّذي وجدناه، ما في الواضحة لابن حبيب: "وإذا احتيج إلى دفن اثنين في قبر واحدٍ أو جماعة من الشهداء أو بوباء نزل، فلا بأس بذلك" عن النّوادر: 367.
(¬4) هذه المسألة مقتبسة من المنتقي: 3/ 225 - 226.
(¬5) نصّ على ذلك ابن عبد البرّ في الاستيعاب: 2/ 339 - 341، 503 - 306.
(¬6) أي قول مالك في الموطَّأ (1349) رواية يحيى.
(¬7) هذه المسألة اقتبسها المؤلِّف من المنتقي: 3/ 226.
(¬8) المقصود هو الإمام الباجي.

الصفحة 136