كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 5)

فَإنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} الآية (¬1).
فخرج النَّاسُ في سِكَكِ المدينة يتلُونَها كأنّها لم تنزل قطُّ إِلاَّ ذلك اليومَ (¬2).
ولم يعلم أحدٌ حيثُ يُدْفَنُ، فقال أبو بكرٍ: سمعتُه يقول: "لَمْ يُدْفَنْ قَطُّ نَبِيٌّ إِلاَّ حَيثُ يَمُوتُ" (¬3).
وطلبت فاطمةُ ميراثَهَا فقال: سمِعْتُه يقول: "إنَّا مَعْشَرَ الأَنْبيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ" (¬4).
وارتدَّتِ العربُ فمنعتِ الزَّكَاةَ، فقال له عمرُ وسِواه: اقنَعْ منهم بالصّلاة حتّى يَتَمَهَّدَ الإسلامُ.
فقال أبو بكر: والله لَوْ منعوني عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - لَجَاهَدْتُهُمْ عَلَيهِ (¬5).
وقيل له: أَمسِك جَيشَ أُسَامَة تستعينُ به على قتالِ أهل الرَّدَّة، فقال: وَاللهِ لَوْ لَعِبَتِ الكِلَابُ بِخَلَاخِلِ نِسَاءِ أَهلِ المَدِينَةِ مَا رَدَدْتُ جَيْشًا أَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلّى الله عليه وسلم -. فقال له عمرُ: وَمَعَ مَنْ تُقَاتِلُهُم؟ قال له: "وَحْدِي حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتي" (¬6) فكان هذا أصلًا في إِنفاذِ الحَاكِمِ حُكمَ غيرهِ وإن رأى النَّاسُ خلافَهُ.
¬__________
(¬1) آل عمران: 144.
(¬2) أخرجه البخاريّ (1241 - 1242)، وانظر: (3667، 3669).
(¬3) أخرجه أحمد: 1/ 206 (ط. الرسالة) بلفظ "لن يقبر نبيُّ ... " وقال شعيب الأرناؤوط: "حديث قويٌّ بِطُرُقه، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه".
(¬4) رواه البخاريّ (2762)، ومسلم (1759).
(¬5) أخرجه البخاريّ (6925)، ومسلم (20).
(¬6) ذكره السيوطيّ في جمع الجوامع (مسند أبي بكر: 55) وعزاه إلى البيهقي، وحسّنه. ومعنى تنفرد سالفتي: أي يفرق بين رأسي وجسدي. وقال الداودي: "المراد: الموت، أي حتّى أموت وأبقى =

الصفحة 143