كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 5)

وقول عمر (¬1): "ولَنْ يَغلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ" قيل (¬2): إنَّ وجه ذلك أنّه لمَّا عَرَّف العُسْر، اقتضَى استغراق الجنس، فكان العسر الأوّل هو الثّاني من قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5)} الآية (¬3). ولمّا كان اليسر مُنَكَّرًا، كان الأوّل منه غير الثّاني (¬4)، وقد أدخل البخاريّ (¬5) في تفسير {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} بأثر قوله: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} كقوله: {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} الآية (¬6)، وهذا يقتضي أنّ اليسربن: الظَّفر بالمُرَاد والأَجْرِ، فالعُسْرُ لا يغيبُ هذين اليسرين؛ لأنّه لابدّ أنّ يحصل للمؤمن أحدهما، وهذا عندي وجهٌ ظاهرٌ.
فإن قيل: كيف يصحّ أنّ لا يغلب عسرٌ يسرين؟
قلنا: إنَّ ابن الخطّاب - رضي الله عنه - تفقّه فيه، فلم يزل يقول: العسرُ الّذي ذُكِرَ في الثّاني هو العُسْر الأوّل، ألَّا ترى أنّه ذَكَرَهُ بالألف واللّام، وذُكر في الآخِر كذلك (¬7).
حديث (¬8):
وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارِ قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلّى الله عليه وسلم -: "أَلَا أُخبرُكمْ بِخَيرِ النَّاسِ مَنْزِلًا؟ رَجُلٌ آخِذٌ بِعِنَانِ فرَسِهِ يُجَاهدُ في سَبِيلِ الله، أَلَا أُخْبرُكُم بخَيْرِ النَّاس مَنْنرلًا بَعْدَهُ؟ رَجُلٌ مُعْتزِلٌ في غُنَيمَةٍ، يُقِيمُ الصَّلاةَ، وُيؤتي الزَّكَاة، وَيَعْبُدُ الله، ؤلَا يُشْركُ به شَيئًا".
¬__________
(¬1) هو فيْ الموطَّأ (1288) رواية يحيى، عن زيد بن أَسْلَم، قال: "كتب أبو عبيدة بن الجرّاح إلى عمر ابن الخطّاب ... " وهو أثر منقطع؛ لأنّ زيد بن أسلم لم يُدْرِك أبا عبيدة.
(¬2) من هنا إلى قوله؛ وهذا عندي وجه ظاهره مقتبسٌ من المنتقى: 3/ 165.
(¬3) الانشراح: 5.
(¬4) قاله القنازعي في تفسير الموطَّأ: الورقة 212.
(¬5) في كتابه "الجامع الصّحيح المُسْنَد من حديث رسول الله وسُنَنِهِ وأيّامه، (1074).
(¬6) التوبة: 52.
(¬7) يقول البوني تفسير الموطَّأ: لوحة 66/ ب "قوله: لن يغلب عسر يسرين، أراد قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)} [الشرح: 5 - 6] فالعُسر واحدٌ واليُسْرُ اثنان؛ لأنّ العُسْرَ معرفة، والمعرفةُ إذا تكرّرت كانت واحدة و "يسرّا" نَكِرَة، والنّكرة إذا تكرّرت كانت ثنتبن، ومنه قوله عَزَّ وَجَلَّ: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 15 - 16] فعرّفه بالألف واللّام ليعلم أنّه الأوّل". وانظر الاقتضاب في شرح غريب الموطَّأ لليفرني: لوحة 51/ أ- ب [2/ 10].
(¬8) الموطَّأ (1286) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (907).

الصفحة 21