كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 5)

وأمّا تحقيق الموعد فقال - صلّى الله عليه وسلم -: "زُوِيت لِي الأَرْضُ، فَرَأَيتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا ... " الحديث (¬1)، ولا سبيلَ لعموم الملك إِلَّا طريقُ الجهاد.
وقال - صلّى الله عليه وسلم -: " لَا يَزَالُ أَهْلُ الغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفهُم إِلَى أنّ تَقُومَ السَّاعةُ" (¬2).
واختلفَ النّاسُ في هذا الحديث، فقال قومٌ: هم أهلُ المغربِ (¬3).
وقال قوم؛ منهم عليّ بن المديني (¬4): هم العرب (¬5).
وقال قوم: هم المخصوصون بالجهاد، المثابرون عليه، الذين لا يَضَعُون أسلحتهم، فهم أبدًا في غَزوٍ وفي غَرْبٍ، وهي: الحِدَّة - خرّجه مسلم (¬6) -، وهذا يكون بجَوْبِ
¬__________
= من حديث أخرجه أحمد: 2/ 50، 92 [وصحح إسناده أحمد شاكر: 5114، 5115، 5667] وابن أبي شيبة: 5/ 313، وعبد بن حميد (848)، وابن الأعرابي في معجمه (1137) والطبراني في مسند الشاميين: 1/ 135 - 136، والهروي في ذم الكلام (476)، وابن حجر في تغليق التعليق: 3/ 445، كلهم عن عبد الله بن عمر، والحديث وان كان في سنده ضعف إِلَّا أنّه يتقوى بمجموع طرقه وشواهده، عن أنس، وأبي هريرة.
(¬1) أخرجه مسلم (2889) بلفظ: "إنَّ الله زَوّى لي الأرض ... ".
(¬2) أخرجه مسلم (1925) عن سعد بن أبي وقّاص.
(¬3) يقول الإمام أبو بكر الطرطوشي في الرسالة الّتي بعث بها إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين مع القاضي أبي بكر بن العربي: "روى مسلم في كتابه الصّحيح، نقل العدل عن العدل عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أنّه قال: "لا تزال طائفة من أهل المغرب ظاهرين على الحقِّ، حتّى يأتي أمر الله" والله أعلم هل أرادكم رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - معشر المرابطين، أو أراد بذلك جملة المغرب وما هم عليه من التّمسُك بالسُّنَّة والجماعة، وطهارتهم من البدع والإحداث في الدِّين، والاقتفاء بأثار السَّلَفِ الصالح -رضي الله عنهم-". مخطوط مفاخر البربر، محفوظ بالخزانة العامّة بالرباط [ك 1275]، لوحة 35/ أ. وقد أشار إلى هذه الرسالة وتأويل الطرطوشي لها الإمام القرطبي في المفهم: 3/ 764.
(¬4) ذكر ذلك عنه يعقوب بن شيبة، كما نصّ عليه الحافظ في فتح الباري: 13/ 295.
(¬5) واستدل ابن المديني بمن فَسَّرَ الغرب بالدَّلوِ العظيمة، وذلك لأنّ العرب هم أصحابها لا يستقي بها أحدٌ غيرهم. انظر إكمال المعلم: 6/ 348، والمفهم للقرطبي: 3/ 763، وفتح الباري: 13/ 295.
(¬6) سبقت الإشارة إليه.

الصفحة 24