كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 5)

ففِرْقَةٌ تقول: إذا بُويعَ من يستحقّ الأمر لم يجز للنّاس أنّ يُنازِعوه، فإن كان مِمَّن لا يستحقّ لم يلزم النَّاس ذلك (¬1).
وقالت طائفةٌ (¬2): إذا اشتدّت وطْأَتُه لم يجز الخروج عليه؛ لأنّه لا يُوصل إلى ذلك إِلَّا بأخذ الأموال بغير حقّها، دمان كان يُقْدَر على ذلك بغير ظلم جاز ذلك.

باب النّهي عن أنّ يسافرَ بالقرآن إلى أرض العَدَّو
روى ابن عمر (¬3)؛ أَن النَّبِيَّ - صلّى الله عليه وسلم - نَهى أنّ يُسَافَرَ بالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ العَدُوَّ، قال مالك: مخافة أنّ يَنَالَهُ العَدُوُّ (¬4).
الإسناد:
قال الإمام: الحديثُ صحيحٌ.
فيه أربع مسائل:
¬__________
(¬1) يقول المؤلِّف في العارضة: 7/ 94 "فإن لم يكن أهلًا للأمر، فهل يُنَازَع ويخرج عليه؟ اختلف النَّاس في ذلك، فمنهم من قال: يخرج عليه؛ لأنّ الّذي لزمت فيه العهدة وانعقدت عليه البَيْعَة أنّ لا ننازع الأمر أهله، فأمّا أنّ يُتْرَك بِيَدِ مَنْ ليس له بأهل يظلم ويجور ويعبث فلا. وبهذا التّأويل خرج الفاضلان الحسين بن عليّ وعبد الله بن الزبير على يزيد، وخرج القُرَّاء على الحجّاج".
(¬2) وعن هذه الطائفة يقول المؤلِّف في العارضة: 7/ 94 - 95"ورأى بعضهم الصّبر عليه [أي على من لم يكن أهلًا] والسّكوت تحت قضاء الله فيه، كما قال عبد الله بن عمر في ولاية يزيد: إنَّ كان خبرًا رضينا، هان كان بلاءً صبرنا. وقال القُرِّاء للحسن بن أبي الحسن البصري حين خرجوا على الحجّاج: كن معنا، فقال لهم الحسن: الحجّاج عقوبةُ الله في أرضه، وعقوبةُ الله لا تُقَابَل بالسّيف وإنّما تُقَابَل بالتوبة، والصّبرُ على ظلم واحدٍ أخفّ من سفك الدماء ونهب الأموال فيما لا يتحصل فيه الآن حسن العاقبة ولا حميد المآل".
(¬3) في الموطَّأ (1289) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (961)، والقعنبي كما عند الجويري (670)، وعبد الرّحمن بن مهدي كما عند أحمد 2/ 63.
(¬4) قال أبو عمر في الاستذكار: 14/ 50 "هكذا قال يحيى والقعنبي وابن بُكَيْر وأكثر الرُّواة، وقال ابن وهب عن مالك في آخره: خَشيةَ أنّ يناله العدوّ، ولم يجعله من قول مالك".
قلنا: وقد تابع ابن وهب عبد الرّحمن بن مهدي عن مالك عند ابن ماجه (2879) فلم يجعله من قول مالك بل رفعه إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، والظاهر أنّ الإمام مالك كان يجزم برفعه، ثمّ صار يشكّ فيه، فجعله من تفسير نفسه.

الصفحة 27