كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 5)

المسألة الأولى (¬1):
نَهْيُهُ - صلّى الله عليه وسلم - أنّ يُسَافَرَ بالقرآن إلى أرضِ العدوِّ, فإنّه يريدُ بذلك المُصْحَف لَمَّا كان القرآن مكتوبًا فيه فسمّاه قُرءانًا (¬2)، ولم يرد ما كان منه محفوظًا في الصَّدر؛ لأنّه لا خلاف أنّه يجوز لحافظ القرآن الغزو (¬3)، وإنّما لهذا المعنى الّذي فسّره مالك "مَخافَةَ أنّ يَنَالَهُ العَدُوُّ" فيمسوه بأيديهم، لقوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (¬4) وهو خبر البارئ سبحانه إذا أخبر عن شيءٍ فلا يصحّ أنّ يكون ذلك الشّيء بخلاف الخبر.
المسألة الثّانية (¬5):
قوله: "لا يُسَافَرُ" والسّفر اسمَ واقعٌ على سَفَرِ الغزو وغيره.
وقال ابن سحنون: قلت لسحنون: أجاز بعض العراقيِّين الغزوَ بالمصاحِف إلى أرضٍ العَدُوِّ في الجيش الكبير؟ فقال: لا يجوز ذلك لنهيه - صلّى الله عليه وسلم - عن ذلك عامَّا، وقد يناله العدوِّ من جهة الغفلة (¬6).
والدّليل على ما ذهب إليه سحنون: أنّه لا قوّة فيه على العدوِّ، وليس هو ممّا يستعان به على حَرْبِه، وقد يناله بشغل صاحبه عنه كما قال (¬7)، وقد يناله بالغَلبَةِ أيضًا.
المسألة الثّالثة (¬8):
ولو أنّ أحدًا من الكفّار رَغِبَ أنّ برسل إليه مصحف يتدبّره، لم يرسل إليه؛ لأنّه
¬__________
(¬1) القسم الأوّل من هذه المسألة مقتبس من المنتقى: 3/ 163.
(¬2) يقول البوني في تفسير الموطَّأ: لوحة 66/ ب "وهذا يدلُّ على أنّه لا يمس المصحف إِلَّا طاهر، إكرامًا للقرآن وتعظيمًا، والرّق والمداد مخلوقان، والقرآن صفة من صفات الله عَزَّ وَجَلَّ، ليس بخالق ولا مخلوق".
(¬3) تتمة الكلام كلما في المشقى: "وإنّما ذلك لأنّه لا إهانة للقرآن في قتل الغازي، وإنّما الإهانة للقرآن بالعبث بالمصحف والاستخفاف به".
(¬4) الواقعة: 79.
(¬5) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 3/ 163.
(¬6) أورده ابن أبي زبد فى النّوادر والزِّيادات: 27 - 28.
(¬7) أي سحنون.
(¬8) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 3/ 163.

الصفحة 28