كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 5)

المسألة الثامنة (¬1):
قوله (¬2):" ولَا تَقطع شَجَرًا مُثمِرًا" وهذا على ضربين:
1 - أمّا ما كان من البلاد ممّا يرجى أنّ يظهر عليه المسلمونَ, فإنّه لا يقطع شجرُهُ ولا يُخرَبُ عامِرُهُ.
2 - وما كان لا يرجى, فإنّه يخرّب عامرُه، ويقطع شجرُهُ؛ لأنّ في ذلك ضعفًا لهم. قال ابن حبيب: قال مالك (¬3) وأصحابه (¬4): إنّما نهى الصِّديق عن إخراب العامر من الشّام، فإنّه عَلِمَ أنّ مصيرَهَا إلى المسلمين، ومالا يُرْجى ظهورهم عليه فخرابُ ذلك ممّا ينبغي (¬5).
والذي قاله ابن حبيب هو الصّحيح، وقد حَرَّق رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - نخل بني النّضير (¬6). وليس المقصود بالقطع والحرقِ المنفعة، وإنّما القصد غيظ الكفار وإخزاؤهم، فيكون ذلك من باب المنفعة على غلبته.
المسألة التّاسعة (¬7):
قوله (¬8):"وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً، وَلَا بَعِيرًا، إلَّا لِمَأْكَلَةٍ" وهذا أيضًا على ضربين:
¬__________
(¬1) ما عدا الفقرة الأخيرة مقتس من المنتقى: 3/ 169 - 170.
(¬2) أي قول أبي بكر في حديث الموطَّأ السابق.
(¬3) قال سحنون في المدونة: 1/ 371 عن ابن القاسم: "قال مالك: لا بأس أنّ تحرق قراهم وحصونهم بالنِّيران، وتغرق بالماء وتخرب".
(¬4) قال سحنون في المدونة: 1/ 371 "وأصل ما جاء عن أبي بكر في النّهي عن قطع الشجر وخراب العامر، أنّ ذلك لم يكن من أبي بكر -رحمة الله عليه- نظرًا للشرك وأهله، والحيطة لهم، ولا ذَبًا عنهم، ولكن أراد النظر للإسلام وأهله، والحيطة لهم والتّوهين للشرك، ولأنّه رجا أنّ يصير ذلك للمسلمين".
(¬5) أورده ابن أبي زيد في النّوادر والزِّيادات: 67 نقلًا عن ابن حبب، وانظر المعونة: 1/ 603، والبيان والتحصيل: 2/ 548.
(¬6) رواه البخاريّ (3021)، ومسلم (1746) عن ابن عمر.
(¬7) هذه المسألة مقتبسة من المتتقى: 3/ 170 بتصرُّف.
(¬8) أي قول أبي بكر في حديث الموطَّأ السابق.

الصفحة 37