كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 5)

وأمّا الشّافعيّ (¬1)، فاحتجّ بقوله: "مَنْ قتلَ عصفورًا فما فوقَها بغيرِ حَقِّها، فيسألُهُ الله عن قَتلِهَا"، قيل: يا رسولَ الله، وما حقُّها؟ قال: "يذبَحُها فيأكلُها, ولا يقطع رأسها فيَرْمِي به (¬2).
المسألة الثّانية عشرة (¬3):
قوله (¬4):"وَلَا تَغلُلْ، وَلَا تَجْبُنْ" الغُلول أنّ يأخذ (¬5) قبل القسمة، وسيأتي بيانه في باب الغُلول إنَّ شاء الله (¬6).
وأمّا الجبن في قوله: "ولا تَجْبُنْ" يريد به الجزع والفرار عمّن لا يجوز الفرار عنه، وهو من الكبائر عند ابن القاسم (¬7)، وأكثر أصحابنا.
وقال الحسن (¬8): لم يكن الفرار من الزَّحْف كبيرة إِلَّا يوم بدر (¬9).
ودليلنا: قولُ الله تعالى: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً} الآية (¬10)، وقوله: {فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} الآية (¬11).
¬__________
(¬1) فى الأمّ: 3/ 634 (ط. فوزي).
(¬2) أخرجه الشّافعيّ في الأم: 5/ 634، وعبد الرزّاق (8414)، والحميدي (587)، والنسائي: 7/ 239، والبيهقي: 9/ 279 كلهم من طريق صهيب مولى ابن عامر، عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا. وأعلَّه ابن القطان في بيان الوهم والأيهام: 4/ 590 بصهيب، قال: " لا تعرف له حال". والحديث له شاهد بمعناه يتقوى به عند أحمد: 4/ 389، والنسائي: 7/ 239، والبخاري في التاريخ الكبير: 7/ 379، وانظر تلخيص الحبير: 4/ 283.
(¬3) اقتبس المؤلِّف هذه المسألة من المنتقى: 3/ 171.
(¬4) أي قول أبي بكر في حديث الموطَّأ السابق ذكره،
(¬5) أي يأخذ بعض الغانمين من الغنيمة.
(¬6) صفحة: 83 - 95 من هذا الجزء.
(¬7) حيث أنّه لم يجز شهادة من فرّ من الزحف، انظر العتبية والببان والتحصيل: 10/ 48، والجامع لأحكام القرآن: 7/ 382.
(¬8) هو الحسن البصري.
(¬9) أورده ابن أبي زيد فى النوادر والزيادات: 49، وتتمة الكلام كما في النوادر: "لأنّ تلك العصابة لو أصيبت ذهبَ الإسلام".
(¬10) الأنفال: 45، وانظر أحكام القرآن: 2/ 866.
(¬11) الأنفال: 15، وانظر أحكام القرآن: 2/ 843.

الصفحة 40