كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 5)

المسألة الخامسة عشرة (¬1):
قوله: "وَلَا تَغْدِرُوا" هو ترك الوفاء للمشركين وغيرهم، ولا خلاف في المنع. وقد روى ابن عمر قال: سمعت النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - يقول: "لِكُل غَادِرٍ لِوَاءٌ يُتصَبُ لَهُ يوم القيامةِ بغَدْرَتهِ" (¬2).
المسألة السّادسة عشرة (¬3): في صفة التّأمين
والتّأمين عند علمائنا على ضربين:
أحدهما: أنّ يؤمّن العدوِّ بحيث القوّة للمسلمين، فهذا لا يجوز الغَدْر به، ولا خلافَ في ذلك.
والثّاني: أنّ يُؤَمَّنَهُم الأسير في أيديهم ابتداءً، أو يطلقونه من الثّقاف بشرط ذلك، وذلك يتناول أحد أمرين:
أحدهما: أنّ يُؤَمَّنَهُم على أنفسهم، وسيأتي بيانُه إنَّ شاء الله تعالى.
والثّاني: أنّ يؤمَّنَهُمْ من فراره وأخذ شيءٍ من أموالهم، فإن أَمّنَهُم من فِرَارِه لزم الوفاء به. قاله ابن القاسم (¬4).
وقال الثّوريّ: إنَّ له أنّ يفرّ (¬5).
ودليلُنا قولُه تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} الآية (¬6)، {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} (¬7).
وهذا إنّما يلزمه الوفاء به إذا عاهدهم مختارًا، وأمّا إنْ أُكرِهَ عليه فلا يلزمه الوفاء (¬8).
¬__________
(¬1) هذه المسألة مقتبة من المنتقي: 3/ 171.
(¬2) أخرجه البخاريّ (6178)، ومسلم (1735) بلفظ: ((... يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان".
(¬3) اقتبس المؤلِّف هذه المسألة من المنتقي: 1/ 171.
(¬4) أورد هذا القول ابن أبي زيد في النوادر: 400 نقلًا عن ابن المراز.
(¬5) نقله ابن أبي زيد في النوادر والزبادات: 404 عن ابن سحنون.
(¬6) الإسراءِ: 34.
(¬7) النحل:91.
(¬8) قاله في كتاب ابن المراز كما في النوادر: 95، وفي العتبية: 2/ 592 من رواية عيسى بن دينار، قال ابنُ القاسم: "إذا أمّنهم عن تهديد بالقتل فلا أمان لهم".

الصفحة 42