كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 5)

حُذَيْفَة، كما حَمَلَهُ أزواجُ النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - مَا عَدَا عائشة. وممّن (¬1) قال: إنَّ إرضاعَ الكبيرِ ليس بشيءٍ، عمر بنُ الخطّابِ، وعليّ بن أبي طالب - رضي الله عنهم - وابنُ مسعود، وأبو هريرة، وابنُ عبّاس، وسائرُ أزواج النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - غير عائشة، وجمهورُ التّابعين، وفقهاء الأمصار، وحجّتُهم قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِن المجَاعَةِ" (¬2)، وَ"لَا رَضَاعَةَ إِلَّا مَا أَنْبَتَ اللّحْمَ وَالدَّمَ" (¬3).
المسألةُ الخامسةُ (¬4):
قال علماؤنا (¬5): ويُستحَبُّ للأمِّ أنَّ تُرْضِعَ ولدَها، فإنّه رُوِيَ أنَّ رسولَ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "ليْسَ لَبَنٌ يرضع بهِ الصَّبِيّ أَعْظَم بَرَكَةً عَلَيْه مِنْ لَبنِ أُمِّهِ" (¬6) ولذلك كانتِ المطلَّقةُ أحقّ برِضَاعِ ولَدِها بما ترضعه غيرها، ويُكْرَهُ الظَّؤُوْرَةُ (¬7) من اليهود والنَّصارى، لِمَا يُخْشى أنّ تطعمهم الحرام، أو تسقيهم الخّمْرِ. ويُكْرَهُ رضاع الحَمْقَاءِ، وذات الطِّباع المكروهة، لِمَا رُوِيَ أنَّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - قال:"الرِّضَاعُ يُغَيّرُ الطِّبَاعَ" (¬8).
قال عبدُ الملك: ولذلك كانتِ العَرَبُ تسترضعُ أولادَها في أهلِ بيتِ السِّخَاءِ، أو بيتِ الوَفَاءِ، أو بيتِ الشّجاعةِ، وما أَشْبَهَ ذلك من الأخلاقِ الكريمة.
المسألة السّادسة (¬9):
"اختلفَ العلّماءُ في شهادة المرأة في الرِّضاعِ، وإن كانوا قد اتَّفَقُوا على الوِلَادَةِ، على تفصيلِ فيه، ومختصر الخلافِ في ذلك الآن في الخاطر سبعة أقوال:
القولُ الأوّل: أنّها تُقبلُ شهادتهُنَّ في الرَّضاع في الجملةِ. وقال أبو حنيفة: لا
¬__________
(¬1) من هنا إلى آخر المسألة اقتبسه ابن رشد بدوره من الاستذكار: 18/ 275 - 276.
(¬2) أخرجه البخاريّ (3647)، ومسلم (1455) من حديث عائشة.
(¬3) أخرجه مالك في الموطَّأ (1772) رواية يحيى بنحوه.
(¬4) هذه المسألة مقتبسة من المقدِّمات الممهِّدات: 1/ 496.
(¬5) المقصود هو الإمام ابن رشد الجدّ.
(¬6) لم نقف على من أخرجه في حدود المصادر الّتي استطعنا الوقوف عليها.
(¬7) الّتي تُرضِع ولد غيرها.
(¬8) رواه القضاعي من طريق ابن الأعرابي في مسند الشهاب (35) عن ابن عبّاس مرفوعًا، قال عنه ابن حجر في لسان الميزان: 3/ 173 "وفيه انقطاع، وعبد الملك مدنيٌّ ضعيف"، وانظر كشف الخفا للعجلوني: 1/ 519.
(¬9) انظرها في العارضة: 5/ 94 - 96.

الصفحة 687