كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 5)

دخل الجنَّة لم يبلغ انتصاره منه.
وقال أبو الوليد الباجي (¬1): "إنّما قال ذلك عمر إشفاقًا للمسلم" (¬2).
وفي هذا الحديث (¬3): أنّ قاتل المؤمنين في مشيئة الله لا يُقطَع له بالوعيد، وإنّما قتله رضي الله عنه أبو لؤلؤة عبدٌ نصرانىٌّ للمغيرة بن شعبة.
حديث عبد الله بن أبي قتادة (¬4)، عن أبيه, أنَّه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنْ قُتِلْتُ في سبيل الله صابرًا محتسبًا، مقبلًا غير مدبرِ، أَيُكَفِّرُ الله عني خطاياي؟ فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "نَعَم" فلما أدبر الرَّجل، ناداه رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، أو أمر به فنودي له، فقال له رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "كَيفَ قُلْتَ" فأعاد عليه قوله. فقال له النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -:"نَعَمْ، إِلَّا الدَّينَ، كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْريلُ".
الإسناد:
قال القاضي - رضي الله عنه -: هذا حديثٌ صحيحٌ (¬5)، إِلَّا أنّ العلماء اختلفوا فيه: فقيل: إنّه منسوخٌ بقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "مَنْ مَات وَعَلَيهِ دَين فَنَحْنُ أَحَق بِقَضَائِهِ (¬6) "، وكان في أوّل الإسلام لا يُصَلَّى عليه، ثُم كان بعد ذلك يُصَلَّى عليه، وإنّما قال: "فَنَحْنُ أَحَقُّ بهِ" يريد: أداؤه من بيت مال المسلمين.
وقال غيره: إنّما كان ذلك قبل أنّ يفرض الزَّكاة، فلمّا فُرِضَتِ الزْكاة جعل اللهُ
¬__________
(¬1) في المنتقى: 3/ 205 وعبارة الباجي هي كالتالي: "ويحتمل أنّ يقولها إشفاقًا على المؤمنين".
(¬2) وفي هذا المعنى يقول البوني فى تفسيره للموطَّأ: 69/ أ "قيل: إنَّ هذا من عمر - رضي الله عنه - على وجه الإشفاق على من وحّد الله عَزَّ وَجَلَّ ألَّا يُقْتَلَ من أجل قتله إياه، فدعا أنّ لا يقتله أحد من أهل التّوحيد لئلّا ينفذ عليه الوعيد".
(¬3) هذه الفائدةُ اقتبسها المؤلِّف من تفسير الموطَّأ للبونيْ: لوحة 69/ أ.
(¬4) في الموطَّأ (1328) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (933)، وعبد الرّحمن بن القاسم (507)، وابن بكير: لوحة 74 (الظاهرية) ومصعب الزببري في حديثه: 132 (201)، والشّافعيّ عند الطحاوي في شرح مشكل الآثار (3656)، وابن وهب في المصدر السابق (3655).
(¬5) أخرجه مسلم (1885) من غير طريق مالك.
(¬6) أخرجه البخاريّ (6731)، ومسلم (1619) من حديث أبي هريرة، بلفظ: " ... دَيْنٌ ولم يترك وفاءً فعلينا قضاؤه".

الصفحة 86