{الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} الآية (¬1) وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} الآية (¬2)، والنّهي إذا قُرِنَ به الوعيدُ، عُلِمَ أنَّ المرادَ به التّحريم.
وقولُه تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} الآية (¬3)، يريدُ نهيَ تحريمٍ؛ لأنَّه عَطَفَهُ على ما نصّ على تحريمه، إِلَّا أنَّ الاحتجاجَ بهذه الآية على تحريم الرِّبا إنّما يصِحُّ على مذهب مَنْ يرى أنَّ ما أخبر اللهُ تعالى به من شرائعِ مَنْ قَبْلَنَا من الأَنبياء لازمٌ لنا، إِلَّا أنّ يَأتيَ في شَرْعِنا ما ينسخه عنّا، وإلى هذا ذهب مالك (¬4) - رحمه اللهُ -؛ لأنَّه قد احتجَّ في "مُوَطَّئِهِ (¬5) بقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} الآية (¬6)، يريد في التّوراة، وهو الصّحيحُ، لقوله عليه السّلام: "إِذا نَامَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ أَوْ نَسِيهَا ثُمً فَزعَ إلَيهَا فلْيُصَلِّهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا في وَقْتِهَا، فَإِنَّ اللهَ تعَالَى يقولُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬7) " (¬8) والخطابُ بهذا إنّما هو لمُوسَى عليه السّلام، وهذا بَيَّنٌ، وقدِ اختلفَ العلّماءُ في ذلك على أربعةِ أقوالٍ:
أحدهما: أنّها لازمةٌ لنَا جملةً من غيرِ تفصيلٍ (¬9)، بدليلِ قولِه عزَّ وجلَّ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} الآية (¬10).
¬__________
(¬1) آل عمران: 130.
(¬2) النِّساء: 29.
(¬3) النِّساء:160.
(¬4) نصّ على هذا ابن القصّار في المقدِّمة في الأصول: 149 - 150.
(¬5) 2/ 446، كتاب العقول، [باب] القصاص في القتل.
(¬6) المائدة 45، وانظر وجه الاستدلال بهذه الآية في إحكام الفصول للباجي 395، والمحرر الوجيز: 5/ 275 [ط. قطر].
(¬7) طه: 14.
(¬8) أقرب رواية إلى رواية المؤلّف هي ما رواه مالك في الموطَّأ (26) رواية يحيى، من حديث زيد بن أسلم. وكذلك ما رواه الطبراني في الأوسط (6129) من حديث أنس.
(¬9) وهو قول جمهور أهل الأصول من المالكية، انظر شرح تنقيح الفصول: 297، وتقريب الوصول: 118، ونشر البنود: 2/ 32.
(¬10) الأنعام: 90.