الثّاني: أنّها غيرُ لازمةٍ لنا جملةً من غيرِ تفصيلٍ (¬1)، بدليلِ قولِهِ تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (¬2).
الثّالث: أنّها غيرُ لازمةٍ لنا إِلَّا شِرعة إبراهيم عليه السّلام، لقولهِ تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} الآية (¬3)، وقولِهِ: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} الآية (¬4).
الرّابع: أنّها غير لازمةٍ لنا إِلَّا شِرْعَة عيسى؛ لأنّها آخر الشّرائع المتقدِّمة، وكلُّ شِرْعَةٍ ناسخةٌ للّذي قَبْلَها، وهذا القولُ ضعيفٌ؛ لأنّ شِرْعَةَ عيسى إذا كانث ناسخةً لِمَا قَبْلَها من الشّرائعِ، فشريعتُنَا ناسخةٌ لشِرْعة عيسى، وهذا لا غُبَارَ عليه.
فصل (¬5)
وأمّا قولُه تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ} الآية (¬6)، المعنى: الّذين يربون في تجارتهم في الدُّنيا، لا يقومونَ يوم القيامة من قبورهم إِلَّا كما يقومُ الّذي يتخبَّطُهُ الشّيطانُ من المَسُّ، أي: يصرعُه من الجنونِ.
وُيرْوَى (¬7) أنَّ أَكَلَةَ الرِّبا يُعْرَفُونَ يوم القيامة أنّهم أكَلَة الرِّبَا يأخذُهُم خَبَلٌ يُشْبِهُ الخَبَلَ الَّذِي يَأخُذُهُمْ في الآخِرَةِ بالجُنُونِ الّذِي يَكُونُ في الدُّنْيَا.
وفي الصّحيحِ أنّ النَّبيَّ عليه السّلام حَدَّثَ عَنْ لَيْلَةِ الإسْرَاءِ فَكَانَ في حَدِيثِهِ أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى سَابِلَةِ فِرْعَوْنَ حَيْثُ يُنْطَلَقُ بهِمْ إلى النَّارِ، ثُمَّ قَرَأَ: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} الآية (¬8)، ثُمً قَالَ: وإِذَا أَنَا بِرِجَالٍ بُطونُهُمْ كَالبُيُوتِ، فَيَقُومُون فَيَقَعُونَ بِبُطُونِهِمْ، قَالَ:
¬__________
(¬1) وهو قول أبي تمّام البصري وأبي بكر الباقلانيّ وطائفة من المالكية، كلما نصَّ على ذلك الباجي في إحكام الفصول: 394، وهو الّذي نصره إسماعيل بن إسحاق القاضي، كما في البحر المحيط: 6/ 42.
(¬2) المائدة: 48.
(¬3) النحل: 123.
(¬4) الحجِّ: 78.
(¬5) هذا الفصل مقتبسٌ من المقدّمات الممهِّدات من مواضع مختلفة، انظرها مرتبة: 2/ 7 - 8، 12 - 13،8 - 10
(¬6) البقرة: 275.
(¬7) رواه عبد الرزّاق في تفسيره: 1/ 110، ومصنفه (19706) والبيهقي في الشعب (5514) من حديث عبد الله بن سلام.
(¬8) غافر: 46.