أمّا "بيع اللَّحم باللَّحم" فإنّه ممّا لَا رِبًا فيه، وأموالُ الرِّبا بشروطها من اعتبار الجِنْسِ في ربا الفَضل والنِّسَاءِ، واعتبارُ القُوتِ في رِبَا النِّسَاءِ خاصّةً مذكورةٌ في "كتب المسائل".
مسألة أصوليّة (¬1):
قال بعضُ علمائنا حين تعلَّق بحديث نَهْيِ النّبيّ -عليه السّلام- عَنْ بَيع اللَّحمِ بِالحَيَوانِ: هذا تَلَقَّتْهُ الأُمَّة بالقَبُول فوجبَ القضاءُ به، وهذا وَهمٌ (¬2) بطريق الحديث، فليست شُهرةُ الحديثِ بمُوجِبةٍ لصِحَّتِه إجماعًا، وهذا الحديثُ ما تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بالقَبُولِ، فإنّ أهل الكوفة رَدُّوهُ، وقد عَدَّ العلّماءُ الأحاديثَ المشهورة المُتَدَاوَلَة على أَلسِنَة الأُمَّة من العلماء وليست بصحيحةٍ، وذَكَروا منها نُبَذًا كحديث: "الخراج بالضّمان" (¬3) وحديث: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ وَالنِّسيَانُ" (¬4) ودونَهُما حديثُ: "لَا يَأوِي الضَّالَة إِلَّا ضَالٌّ" (¬5) وذلك مذكورٌ في كتب الحديث.
الثّانية (¬6):
قَال علماؤنا (¬7): نَهيُهُ عَنْ بَيعِ الحَيَوَانِ بِاللَّحمِ، إنَّ ذلك في اللّحم النِّىءِ، أمّا
¬__________
(¬1) انظرها في القبس: 2/ 840 - 841.
(¬2) في القبس:"وهذا جهل منه".
(¬3) أخرجه الشّافعيّ في مسنده: 189، والطيالسي (1464)، وعبد الرزّاق (14777)، وعلي بن الجعد في مسنده (2811)، وابن أبي شيبة (21181)، وأحمد: 6/ 49، 237، وأبو داود (3508 م)، والترمذي (1286) وقال: "هذا حديث حسن غريب"، وابن ماجه (2242)، والنسائي في الكبرى (6081)، وأبو يعلى (4537)، وابن حبّان (4928)، والدارقطني في سننه: 3/ 53، كلهم من حديث عائشة. وصحّحه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام: 5/ 212 (2425)، وقال ابن حزم في المحلّى: 5/ 250 "إنّه خبر لا يصحّ" لأنّ راوية مخلد بن خفاف وهو مجهول".
(¬4) سبق تخريجه.
(¬5) أخرجه علي بن الجعد في مسنده (2160) من حديث علي، وأخرجه من حديث جرير بن عبد الله: ابن أبي شيبة (216172)، وأحمد: 4/ 360، وأبو داود (1720 م)، وابن ماجه (2503)، والنسائي في الكبرى (5799 - 5800) , والطبراني في الكبير (2376). وقال ابن حزم في المحلّى: 8/ 261 "هذا حديث لا يصحّ".
(¬6) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 5/ 25.
(¬7) المقصود هو الإمام الباجي.