كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 6)

قال الشّافعيُّ (¬1): إنّه يَخسَرُ.
وقال أبو حنيفةَ (¬2): إنّه يَرجِعُ.
وقال مالكٌ (¬3) وغيرُه: إنَّ غَرَّهُ منه رجَعَ عليه، وإلّا فلا رُجوع له عليه. وقد قرّرنا ذلك في "مسائل الخلاف" وبيّنّا أنّ الحَوَالةَ نقلُ ذِمَّة إلى ذِمَّة، وليست بمبايعةٌ.
وأمَّا إذا غرَّهُ، فلا إشكالَ في رجوعِه عليه؛ لأنّ أصلَ الحَوَالةِ انبنَى على باطلٍ من الغِشَّ والمُخادَعَةِ، وقد أمرَ النّبيُّ -عليه السّلام- باجتنابِهما، ونهى عن فعلهما، وقال: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" (¬4) فوجبّ الحُكم بردِّه.
تتميم (¬5):
قد بيَّنَّا أنّ أصل الحَوَالَة الحديث المتقدِّم، حديث أبي هريرة أنّ "مَطْلَ الغَنِيِّ ظُلمٌ، وَإِذَا أُتْبعَ أَحَدُكُم عَلَى مَلِيءٍ فَليَتبَعْ" (¬6) وفي هذا الحديث أنّ الغنىَّ لا يحلّ له أنّ يمطل غريمَهُ.
وقال أَصبَغُ: مَطلُ الغنيّ جُرْحَةٌ تردُ شهادتُه بها؛ لأنّ النّبيّ -عليه السّلام- سمّاها ظلمًا (¬7)، وقد رُوِيَ عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه قال: "لَيُّ الوَاجِدِ يُحِلُّ عُقُوبَتَه وعِرضَهُ" (¬8) فعِرضُه
¬__________
(¬1) انظر الحاوي الكبير: 6/ 421.
(¬2) انظر مختصر اختلاف العلماء: 4/ 270، والمبسوط: 20/ 126.
(¬3) في المدوّنة: 4/ 148 كتاب الحوالة.
(¬4) أخرجه مسلم (1718) من حديث عائشة.
(¬5) هذا التتميم مقتبس من تفسير الموطَّأ لبوني: 98/ ب.
(¬6) سبق تخريجه في أوّل الباب.
(¬7) أورده الباجي في المنتقى: 5/ 66 ونسبه إلى سحنون.
(¬8) أخرجه ابن أبي شيبة (22402)، وأحمد: 4/ 222، 388، والبخاري معلّقًا (بعد حديث: 2400)، وأسنده في التاريخ الكبير: 4/ 259 [وانظر تغليق التعليق لابن حجر: 3/ 318]، وابو داود (3628 م)، وابن ماجه (2427)، والنسائي في الكبرى (6288)، وابن حبّان (5089)، والطبراني في الكبير (7249)، والبيهقي: 6/ 51 كلهم من رواية عمرو بن الشريد عن أببه. وقال ابن كثير في تحفة الطالب: 362 "هذا إسناد جيِّد".

الصفحة 158