والدّليلُ على هذا القول: نهيُه - صلّى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال، ونهيُهُ عن تلقِّي السّلع" (¬1) فعلى هذا يكون الحديث عامًّا.
الثّانية: في الأشهاد على التبايع
والأصل في هذه المسألة: الكتاب والسُّنَّة، قال الله العظيم: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] الآية (¬2)، ثمّ نسخ الله ذلك (¬3) بقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] (¬4)، ولم يذكر معه إشهاد، فلو ثبت الأمرُ على الأوّل ما جاز بيع لا يشهد فيه.
وقال أكثر العلماء: إنّه لم ينسخ ولكنّه حَضٌّ على الإشهاد، وَأَدَبٌ لا فرضٌ؛ ولأنّه احتياط؛ لأنّهم لا فرض عليهم فيه.
وقالت طائفة أخرى: يسقط فرض الإشهاد، لقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [البقرة: 283] الآية (¬5)، فكان هذا أقوى دليلًا على أنّه حضٌّ وأدبٌ واحتياطٌ، لا فرض ولا أمرٌ، وبهذا أقول.
وأشدّ ما فيه قول ابن عبّاس: "مَنْ لم يُشهِد عَلَى بَيعِهِ فَقَد عَصَى" (¬6).
الثّالثة:
وأمّا حديث "العاريةُ مؤدّاة" (¬7) فليس في ذلك حديث صحيح يُعَوَّلُ عليه (¬8)
¬__________
(¬1) انظر المعونة: 2/ 1049.
(¬2) البقرة: 282، وانظر أحكام القرآن: 1/ 259.
(¬3) ردّ المؤلِّف في كتابه الناسخ والمنسوخ: 105 - 110 على من قال بنسخ هذه الآية، وأطال في الكلام عليها، فراجعه.
(¬4) البقرة: 275.
(¬5) البقرة: 283.
(¬6) لم نجده.
(¬7) أخرجه الطيالسي (1127)، وعبد الرزّاق (7277، 14796، 16308)، وابن أبي شيبة (20562)، وأحمد: 5/ 267، وأبو داود (3565)، وابن ماجه (2398)، والترمذي (1265) وقال: "هذا حديث حسن"، والنسائي في الكبرى (5781)، من حديث أبي أمامة. وقد ضعفه ابن حزم في المحلّى: 9/ 172، وانظر نصب الراية: 4/ 57.
(¬8) وهو الّذي قرره في العارضة: 6/ 21 حيث قال:"ليس في العارية حديث صحيح".