كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 6)

كتابُ الأَقضِيَةِ والأَحكَامِ
صدَّرَ مالك هذا الكتاب بحديث أُمِّ سَلمَةَ زَوجِ النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثلُكُم وإِنَّكُم تَخْتَصِمُونَ إِليَّ، ولَعَلَّ بَعضَكُم أنّ يَكُونَ ألحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعض، فَأَقضِيَ لَهُ عَلَى نَحوِ مَا أَسمَعُ مِنهُ، فَمن قَضيتُ لَهُ بِشْيءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأخُذَهُ فَإِنَّمَا أَقطَعُ لهُ قِطعَةً مِنَ النَّارِ" (¬1).
قال الإمام: هذا كتابٌ عظيمُ العِلم، جمَّ الفقه، أتقَنَهُ مالك ورتَّبَ أبوابَه؛ لأنَّ للأحكام والقضاء قاعدة من قواعد الدِّين، ولابدّ في صدره من مقدِّماتٍ وفواتح، تُبَيَّن لك الغَرَضَ، وتكشف لك الأمر.

فاتحة الكتاب ومقدّمته
اعلموا (¬2) أنّ القضاء بين النَّاس أصلُ الشّريعة، ومَدَارُ الأحكام، وخلافةُ الله في الخلق، قال الله تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} الآية (¬3)، وقال الله تعالى لرسوله محمّد - صلّى الله عليه وسلم -: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (¬4)، وقال عزّ من قائل: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} (¬5).
¬__________
(¬1) أخرجه مالك في الموطَّأ (2103) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (2877)، وسويد (272)، وابن القاسم (478)، ويحيى بن بكير عند الجوهري (778)، والشّافعيّ في الأم: 13/ 229 (ط. قتيبة)، والقعنبي عند البخاريّ (2680)، وابن وهب عند الطحاوي في شرح معاني الآثار: 4/ 145.
(¬2) انظر هذه الفقرة في القبس: 3/ 869.
(¬3) سورة ص: 26.
(¬4) المائدة: 49.
(¬5) النِّساء: 105.

الصفحة 210