وثبتَ في الصّحيح أنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال في قصَّة هلالٍ وشَرِيك: "إنَّ جَاءَت بِهِ بِكَذَا فَهُوَ لِهِلَالٍ" يعني الزَّوج، "وإن جَاءَت بِهِ بكَذَا (¬1) فَهُوَ لِشَرِيكِ ابنِ السَّمْحَاء" يَعْنِي بِهِ المَقذُوف فَجَاءَت بِهِ عَلَى النَّعتِ المَكرُوهِ، فَقَالَ: "لَو كُنتُ رَاجِمًا أَحَدًا بغيرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمتهَا" (1).
وقد وَهَمَ بعضُ النَّاس في إحدى هاتين المسألتين، وهي مسألةُ القضاءِ على الغائبِ، منهم البخاريُّ (¬2)، فقالوا: الدّليلُ على القضاء على الغائب أنّ النّبيِّ- صلّى الله عليه وسلم - قَضَى لهِندٍ على أبي سُفيَانَ، فقال: "خُذِي مَا يَكفِيكِ وَوَلدَكِ بِالمَعرُوفِ" (¬3) وقد بيَّنَّا في "مسائل الخلاف" أنّ هذا وهمٌ عظيمٌ، وأنّه لا مُتَعَلَّق لهم في هذا الحديث، وحقّقنا أنّها كانت فتوى، وأنّ أبا سفيانَ كان حاضرًا , ولا خلافَ بين الأُمَّة أنّه لا يُقضى على غائبٍ في البلدِ معلومِ المَوضِعِ، على ما بينّاه.
الفائدةُ السّابعة (¬4):
قوله (¬5):" فَلَا يَأخُذَنَّ" إشارةٌ إلى الدّليل على حُكمِ الحاكِم أنّه لا يحلِّلُ مُحرَّمًا ولا يُحرم محلَّلًا , ولا يغيِّر شيئًا من طريق الشَّرع , بما يظهر من حُجَّة أحَدِ الخَصْمين على الآخَرِ، فَمِن هذا حذَّرَهُم النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - وعلى هذا نَبَّهَهُم، وقدِ اتّفق العلّماءُ على ذلك إِلَّا أبا حنيفةَ (¬6)، فإنّه سَقَطَ (¬7) في هذه المسألة فقال: إنَّ الرَّجل إذا جاء إلى الحاكِمِ بشاهِدَي
¬__________
(¬1) أخرجه مسلم (1496) من حديث أنس.
(¬2) وذلك في كتابه "الجامع الصّحيح المسند" كتابُ الأحكام، باب القضاء على الغائب (الباب الّذي قبل الحديث 7180).
(¬3) أخرجه البخاريّ (5364)، ومسلم (1714) من حديث عائشة.
(¬4) انظرها في القبس: 3/ 877 - 878.
(¬5) أي قوله - صلّى الله عليه وسلم - في حديث الموطَّأ (2103) رواية يحيى.
(¬6) انظر المبسوط: 16/ 180، 184. وبدانع الصنائع: 7/ 15.
(¬7) في القبس: "فإنّه سقط على أُمِّ رأسه". وجاء في هامش نسخة من نُسخ القبس بخطِّ مغاير:=