كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 6)

شيئًا، اللَّهُمَّ إِلَّا أنّه قال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَبرَأُ إليك مِمَّا صَنعَ خَالد في دمَائِهِم وأَمْوَالِهِم " (¬1) والمعنى يعضُدُه؛ فإنّ القاضي لو نظر بشرطِ سلامةِ العاقبةِ، وهو لا يُعَوَّل على النّصِّ وإنّما مَبنَى حكمه على الاجتهاد، لكان ذلك باطلًا من وجهين:
أحدهما: أنّه كان يكون تكليف ما لا يُطاق.
والثّاني: أنّه كان يكون تنفيرًا للخلقِ عن الولاية، فتتعطّل الأحكام.
المسألة السّابعة عشرة:
واختلفَ العلّماءُ فيما يخطىءُ فيه الإمامُ من قتل أو جرحٍ على ثلاثةِ أقوالٍ:
1 - فقال الثّوريُّ وأحمد وإسحاق وأصحاب الرّأي (¬2): هو على بيت المال.
2 - والقول الثّاني: أنّ هذا على عاقلة الأرحام، وهذا قول الشّافعيّ (¬3).
المسألة الثّامنة عشرة:
هل يكونُ الحاكمُ مصلِحًا أم لا؟
قيل: يكون أكثر جريه إلى الصّلح، لقوله عَزَّ وَجَلَّ: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} الآية (¬4)، ولحديث النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -؛ أنّه مشَى إلى ناسٍ من الأنصار ليُصلِحَ بينهم (¬5).
وقال جماعة المسلمين: إنَّ الصُّلح جائزٌ بين المسلمين، وللحاكم أنّ يُصلِحَ بين الخصوم، وذلك مذهب الشّافعيّ والكوفيّ (¬6).
وقال عطاء: لا يحلُّ للإمام إذا تبيِّنَ له القضاء أنّ يُصلِح بين مَنْ تبيَّنَ له القضاء فيما بينهما، وكان أبو عُبَيد إنّما يَسَعُه ذلك في الأمور المُشكلة، وأمّا إذا صارت الحُجَّةُ
¬__________
(¬1) أخرجه البخاريّ (4339) من حديث ابن عمر، ولم نجد زيادة "في دمائهم وأموالهم" في مصادر الحديث الّتي وقفنا عليها.
(¬2) انظر أدب القاضي للخصّاف مع شرحه للجصاص: 364.
(¬3) انظر أدب القاضي لابن القاص: 2/ 389.
(¬4) النِّساء: 114.
(¬5) أخرجه مالك في الموطَّأ (451) رواية يحيى.
(¬6) انظر مختصر الطحاوي: 333.

الصفحة 247