ونفذَ بها قولُ الغيرِ على الغيرِ على وجه المصلحة، للحاجة الدّاعية إلى ذلك، إحياءً للحقوق الدّارسة. وقد رَوَى جماعة من العلماء عن النّبيّ -عليه السّلام- أنَّه قال: "لَمَّا خلَقَ اللهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهرَهُ بِيَمِينِهِ، فَاستَخْرَجَ مِنهُ ذُرِّيَّتَهُ، فَعَرَضَهُم عَلَيهِ، فَرَأى فِيهِم رَجُلًا حَسَن الوجه، قَصِيرَ العُمرِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا يَا رَبِّ. قَالَ: هَذَا ابنُكَ دَاوُدُ. قَالَ: مَا أَحْسَنَ وَجهَهُ، وَأَكثَرَ عِبَادَتَهُ، لولَا قِصَر عُمرِه. قَالَ يَارَبِّ كَم عُمرَهُ؟ قَالَ: سِتُّونَ عَامًا. قَالَ لَهُ: يَا رَبِّ زِدهُ (¬1). قال: لا، زِدهُ أَنتَ من عُمرِكَ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ آدَم: يَا رَبِّ عُمرِي أَلف سَنَة، اعطِهِ مِنهُ أَربعِينَ سَنَة تكمل لَه بِهَا مِئَة سَنَة. قَالَ لَهُ: قَد فَعَلتُ. قَالَ: فَلَمَّا كَمُلَت مُدَّة آدَم عَلَيهِ السّلام وَجَاءَهُ مَلَكُ الموتِ لِيَقبِضَ رُوحَهُ، قَال لَهُ: فِيمَ جِئتَ؟ قَالَ: جِئتُ لِقَبضِ رُوحِكَ. قَالَ: إِنَّهُ بَقِيَ لِي أَربَعُون عامًا. قَالَ لَهُ: أَلَم تَهبهَا لابنِكَ دَاوُدَ (¬2)؟ قَالَ: لا. قَالَ النَّبِيُّ - صلّى الله عليه وسلم -: فَجَحَدَ آَدَمُ، فَجَحَدَت ذُرِّيَّتَهُ، وَنُسِّي آدَمُ فَنُسِّيت ذُرِّيَّتُهُ (¬3) " (¬4).
ورُوي أنّه قال: "وَمن ذَلِكَ اليوم أُمِرَ بالكِتَابِ وَالشُّهُود (¬5) " (¬6).
وروَى جماعةٌ في الحديث: "فأكمَلَ اللهُ لآدَم الَألف، وَلِدَاوُد الأَربَعِين" (¬7). (¬8)
ولكونِها ولايةً من الوِلَاياتِ، وكثرةِ فسادِ النَّاس فيها، وتتابُعِهِم بالمُسامَحَةِ بالزُّورِ
¬__________
(¬1) يقول المؤلِّف في العارضة: 11/ 198 "الأعمار وإن كانت مكتوبة كالأرزاق، ولكن قد تكتب مبرمة، وقد تكتب بشروط محكمة، فتترتّب على الشّروط".
(¬2) قال المؤلِّف في العارضة: 11/ 199 " قيل: لو كان الرَّبُّ تعالى هو المخاطِبُ لآدم لما راجعه ولكن ملك الموت يمكن ذلك فيه. والذي عندي أنّ آدم جحد الهِبَة جحود ذاهل لا جحود مُتَعَسّفٍ".
(¬3) يقول المؤلِّف في العارضة: 11/ 199 [في هذا] بيان أنّ الصفات موروثة، وأخلاق الآباء مكتسبة للأبناء".
(¬4) أخرجه من حديث أبي هريرة - مع اختلاف في الألفاظ - ابن صعد في الطبقات: 1/ 27، والترمذي (3076) وقال: "هذا حديث حسنٌ صحيحٌ": وأبو يعلى (6654)، والحاكم: 2/ 325.
(¬5) علّق المؤلِّف على هذا الحديث في العارضة: 11/ 199 " يعني: للتَّوَثُّق على الحقوق ومع البيِّنة عليها، ولم ينزل الأيجاب فيها".
(¬6) أخرجه من حديث أبي هريرة: التّرمذيّ (3368) وقال: "هذا حديث حسنٌ غريبٌ" وأبو يعلى (6580)، وابن حبّان (6167)، والحاكم: 1/ 64, 4/ 263.
(¬7) أخرج نحوه أحمد: 1/ 298 - 299 من حديث ابن عبّاس.