لكان في الدَّرجة الأُولى، ولو قال: "لا تبَايَعُوا هَكَذَا" وأشارَ إلى قِصَّةِ فيها غَرَرٌ، لَعَلَّلْنَا وعدَّيْنَاها إلى نظائرها.
وأمّا "الْمُلَامَسَةُ" و "الْمُنَابَذَةُ" فهو بَيْعٌ كان أهل الجاهليّة يتبايعونَهُ، وفي تفسيرِهِ خلافٌ، كلُّه يرجعُ إلى المُخَاطرةِ والجَهَالةِ، منه أنَّ يقولَ: إذا لَمَسْتَ الثَّوبَ فقد وَجَبَ البَيْعُ، وإذا نَبَذْتُ هذه الحصاةَ الّتي في يَدِي، فهو بيعُ الحَصَى أيضًا، أو إذا جعلتُ الحَصَاةَ على هذا الثَّوب (¬1).
وأمّا "حَبَلُ الْحَبَلَةِ" فقيل: هو بَيْعُ النّتاجِ الثّاني، وبيعُ الموجودِ المجهولِ لا يجوزُ، فكيف المعدومُ؟!.
وقيل: كانوا يجعلونَهُ أجَلًا، فلا يجوزُ إنَّ كانَ مجهولًا، كان كان ميقاتًا معلومًا - كما قال مالك في الجدَادِ والعطاء - فذلك جائزٌ (¬2).
وأمّا "المَلَاقِيحُ" فهي ما في ظُهورِ الفُحولِ، و"المَضَامِينُ" ما في بطونِ الإناثِ، وذلك مجهولٌ معدومٌ، وقد قال جميعُ أهلِ اللُّغةِ: إنَّ الملاقيحَ ما في بُطونِ الإناثِ، وأطالوا في ذلك الكلامَ، واستشهدوا في ذلك بالأشعارِ، ونحن لا نحتاجُ إلى ذلك؛ لأنَّه لا يجوزُ كَيْفَمَا كانَ (¬3).
وأمّا "الثُّنْيَا" (¬4) فهي في اللُّغة عبارةٌ عن الرُّجوعِ إلى ما مضَى، أو عن ما مَضَى،
¬__________
(¬1) انظر العارضة: 5/ 237 - 238.
(¬2) يقول المؤلِّف في العارضة: 5/ 236 - 237 "بيعُ الحبلة: وهو بيعٌ كانت تبايعه أهل الجاهلية، كان الرّجل منهم يبتاع من الآخر ولد النّاقة، وإن بيع الحمل لا يجوز للغَرَر في وجوده وانفصاله وصفته، فكيف ولد ولده؟ ".
(¬3) بقول المؤلّف في القبس: 2/ 794 "ولم أجد النّهي عن الملاقيح والمضامين مُسْنَدًا، إِلَّا أنَّه ورد في الموطّأ من قول سعيد بن المسيِّب أنَّه نَهَى عن المضامين والملاقيح وفسّرهما".
(¬4) الثُّنْيَا في البيع: أنَّ يَسْتَثْنِيَ منفعةَ المبِيعِ أو شيئًا منه، وأصلُه: من ثنا ثناه عن حاجته: إذا ردّه عنها، كأنّه ردّ بعض المبيع إليه. قالهَ الرّكبي في النظم المستعذب: 1/ 238، وانظر مشارق الأنوار: 1/ 132، والمغني لابن باطيش: 1/ 316، والنهاية لابن الأثير: 1/ 224، ومعجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء: 131.