كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 6)

مالا يَمْلِكُ، فاسْتُفْتِيَ الفقهاءُ، فقال الطُّوسي (¬1) - وكان بها حينئذٍ -: هذا كافرٌ، والنَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - كان يُقْطِعُ الجنّةَ، ويقولُ: قصرُ عمرَ، وقصرُ فلانٍ (¬2)، فكيف لا يُقْطِعُ الدُّنيا وقد قال - صلّى الله عليه وسلم -: "زُوَيت لِيَ الأَرْضُ" الحديث (¬3) فَوَعْدُهُ صادقٌ وكتابُهُ حقٌّ، فَخَزِيَ القاضي والوَالِي، وبَقِيَ أولادُ تَمِيمٍ بكتابِهم في قريتِهم.
وأمّا "بيعتان في بيعةٍ" فهو ثابثٌ من طريقِ أبي هريرةَ (¬4)، واختلفَ النَّاسُ فيه وفي تفسيرِهِ على ستَّةِ أقوالٍ (¬5):
الأوَّلُ: قال الشّافعيُّ (¬6): هو أنَّ يقولَ: أبيعُكَ داري بكذا وكذا، على أنَّ تَبِيعَنِي غلامك بكذا، فهذا وجبَ لي غلامُك، وَجَبَتْ لك داري، وهذا يَنْبَنِي على بَيْعِ مجهولٍ بشيءٍ مجهولٍ، لا يدري كلُّ واحدٍ منهُما على ما وقعتْ عليه صَفْقَتُهُ.
والثّاني: أنَّ يقول له: أبيعُكَ ثوبي هذا بِنَقْدِ عشرة، أو بتأخير عشرين، ولا يفَارِقُه على إحدى البَيْعتينِ، هكذا قاله أبو عيسى (¬7).
وأمّا "بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ" فهو شيءٍ قد اتَّفقتْ عليه الأُمَّةُ، وهو من بابِ الغَرَرِ وإليه يعودُ (¬8)، إِلَّا أنَّي رأيتُ لمالك جوازَهُ في "العُتْبِيَّة" (¬9) وقد تكلَّمنا عليه في "كتب المسائل"،
¬__________
(¬1) لعلّه يقصد الإمام الغزالي.
(¬2) انظر البخاريّ (7024).
(¬3) أخرجه مسلم (2889) من حديث ثوبان.
(¬4) أخرجه أحمد: 2/ 432، 475، والدارمي (1379)، والترمذي (1231) وقال: "حديث حسنٌ صحيح"، والنسائي: 7/ 295، وأبو يعلى (6124)، وابن حبّان (4973).
(¬5) انظرها في العارضة: 5/ 238 - 240، وقد اقتصر المؤلِّف هنا على ذكر قولين فقط.
(¬6) قول الشّافعي نقله المؤلِّف من الجامع الكبير للترمذي: 2/ 514، وانظر الحاوي الكبير: 5/ 341.
(¬7) في جامع التّرمذيّ: 2/ 514.
(¬8) وصورة المسألة كلما في العارضة: 5/ 239 "إذا جاء الرّجل فقال للآخر: اشتر لي، أو اشتر سلعة بكذا، أو بما اشتريتها، وبعها منِّي بكذا".
(¬9) لم تقف عليه في العتبية.

الصفحة 37