قيل لمالك: إنَّ رجُلًا كتب في وصيَّتِه: أؤمن بالقَدَرِ خيره وشَرِّه، حُلوه ومُرِّه، قال: ما أرى هذا (¬1).
فرع (¬2):
فمن كنت وصيَّتَه ووُجِدَت في تَرِكَتِهِ، وعُرِفَ أنّه خطُّه بشهادة رَجُلينِ عَدلين، قال مالك: لا تَثبُت حتّى يشهد عليها، وقد يكتبُ الرَّجُلَ فلا يَعزِم، رواه ابنُ القاسم في "العُتبِيَّة" (¬3) و"المجموعة".
وقال ابن الموّاز (¬4): ولو قرأها ولم يأمرهُم بالشّهادة، فليس بشيءٍ حتّى يقول: إنّها وصيّة وإنّ ما فيها حقٌّ وإن لم يقرأها، وكذلك لو قرؤوها وقالوا: نَشهَدُ أنّها وصيَّتُكَ، فقال: نعم، أو قال برأسه نعم، ولم يتكلّم، جازَ.
الحكم السّادس: في فرض الوصيَّة:
قال الإمامُ: الوصيَّةُ على ضربين: فرضٌ وسنَّةٌ.
والفرضُ على ضربين: منسوخٌ إلى تحريمٍ. ومتروكٌ على حالِهِ.
فأمّا "المنسوخُ إلى التّحريم" فقولُ الله تعالى في الكتاب {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} الآية (¬5)، فنسخَ قول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "لَا وصِيَّةَ لِوَارِثٍ".
وأمّا الثّانية: فهي وصيّةٌ بدَين للأجنَبِيَينِ، ففرضٌ عليه أنّ يُوصِي بذلك.
وهل يلزَم إذا كانت لوارث أنّ يُوصي؟
قلنا: نعم يلزَمُه؛ لأنّ الشّافعيَّ وأبا حنيفةَ يُجيزانِها للوَارِث، وكذلك البخاريّ، ويحتجُّون بقوله: "أَحَقُّ ما تَصَدَّقَ بِهِ الرَّجُلُ أَوَّلَ يومٍ مِنَ الآخِرَةِ وَآخِرَ يَومٍ مِنَ الدُّنيَا" (¬6)
¬__________
(¬1) قاله أشهب عن مالك في "المجموعة" نصّ على ذلك الباجي.
(¬2) هذا الفرع مقتبس من المنتقى: 6/ 147.
(¬3) 12/ 473 في سماع ابن القاسم من مالك، من كتاب أوّله مرض وله أمّ ولد فحاضت.
(¬4) عن أشهب، كما نصّ على ذلك الباجي.
(¬5) البقرة: 180، وانظر الناسخ والمنسوخ للمؤلِّف: 2/ 17، والأحكام الصغرى: 1/ 49.
(¬6) أورده البخاريّ في كتاب الوصايا (55)، باب قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} =