كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 6)

كتاب البيوع
ولا بدّ فيه من مقدِّماتٍ وقواعدَ وتمهيداتٍ تُفسِّر لَكَ ما أشْكلَ منه، وتوضِّحُ لك ما خَفِيَ منه، وإقامة الأدلَّة من الكتاب والسُّنَّةِ. قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬1) وهذه الآيةُ الأصلُ في جَوَازِ البيوعِ كلِّها، واختلفَ العلّماءُ فيها، هل هي مُجْمَلَةٌ أو عامَّةٌ؟ والصَّحيحُ عندنا أنَّها عامَّةٌ في كلِّ بيْعٍ.
فإن قيل: فإذا كانتِ الآيةُ عامَّةَ، فَلأَيِّ شيءٍ لم تجزْ بعضُ البيوع؟
قلنا: ما نقضّ البيوعَ لم يجُز؛ لأنّها خرجَت بدليلٍ، وهو قولُه عليه السّلام، وما دَاخلَهُ فسادٌ لم يجز؛ لأنّ حدَّ العامِّ: ما اشتمل اثنانِ فصاعدًا.
وقولُه: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} (¬2) قالت ثَقِيف: كيف نتبرّأ عن الرِّبا وهو مثل البَيْع؟ فنزلت فيهم الآية (¬3).
قال علماؤنا: الرِّبَا كناية عن استجابةٍ في البُيْعِ وقَبْضِهِ بالْيَدِ؛ لأنّ ذلك إنَّما يفعَلُه المُرْبي قَصْدًا لما يأكلُه (¬4).
والرِّبا في اللّغة: الزِّيادة، وكان الرِّبَا عندهم معروفًا، يُبَايع الرّجلُ الرّجلَ إلى أجَلٍ، فإذا جاء الأجَلُ، قال: تعطني أم تربي على ما عليه؟ أو تضرب أجلًا آخر؟ فحرَّمَ اللهُ الرِّبا، وسيأتي بيانُه في موضعه إنَّ شاء الله.
¬__________
(¬1) البقرة: 275.
(¬2) البقرة: 275، وانظر شرحه للآبة في أحكام القرآن: 1/ 240.
(¬3) أخرجه مطوّلًا أبو يعلى في مُسْندِه (2668) والواحدي في أسباب النزول: 125 من طريق أبي يعلى، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد: 4/ 119 وقال: "رواه أبو يعلى وفيه محمّد بن السائب الكلبي، وهو كذّاب".
(¬4) "فعبَّرَ بالأكل عنه، وهو مجازٌ من باب التّعبير عن الشِّيءِ بفائدته وثمرته، وهو أحد قسمي المجاز" قاله ابن العربي في أحكام القرآن: 1/ 240.

الصفحة 5