وأمّا المحقّقون من أهل العلم فطلبوا لذلك تأويلًا، واختلفوا فيه، فقال بعضهم: "لَهُمْ" هاهنا بمعنى "عليهم"، فيكون معناه: "اشترطي لهم الولاء".
وقال آخرون: إنّما (¬1) بيّن لهم النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّ هذا الشِّراء لا يحلُّ، فلمّا تقاحموا على مخالفته، قال لعائشة هذه اللّفظة: "اشتَرِطِي" بمعنى: لا تبالي بشرطهم، وهو باطلٌ مردودٌ.
والوجه الثّالث (¬2): الكلام على قوله: "الوَلاء لِمَن أَعتَقَ":
ولا خلافَ بين العلماء فيمن أعتق عبدَهُ عن نفسه أنّ ولاءَهُ له. واختلفوا إذا أعتقه عن غيره (¬3)، أو عن جميع المسلمين. فمَذهَبُنا أنّ الولاء للمعتق عنه.
ولأنّهم (¬4) أجمعوا أنَّ الوصيَّة بعتق عن الميِّت أنّ الولاء للميِّت. ورَوَى ابن سحنون عن أبيه؛ أنّه من اعتق عبده عن غيره، فولاؤه للغير وإن كره.
وقال عبد الوهّاب (¬5): سواء أعتق عنه بإذنه أو بغير إذنه.
وقال الشّافعيّ وأبو حنيفة: الولاء للمعتق إذا أعتق عنه بغير إذنه.
ودليلُنا: أنّ الولاء معنى يورث به على وجه التّعصيب، فلا يفتقر حصولُه لمن حصل إلى إذن كالنَّسَبِ.
¬__________
(¬1) في المعلم: "إنّما المراد بهذا الزّجر والتّوبيخ؛ لأنّه كان بيْن ... ".
(¬2) الفقرة الأولى من هذا الوجه اقتبسها المؤلِّف من المعلم بفوائد مسلم: 2/ 148 - 149.
(¬3) في المعلم: "عن غيره رجلٍ بعينه".
(¬4) من هنا إلى آخر الوجه مقتبس من المنتقي: 6/ 280.
(¬5) في المعونة: 3/ 1454.