كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 6)

الجَمعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَغْ بالدَّرَاهِم جَنِيبًا (¬1) " (¬2) "وكذلك الميزانُ" (¬3)، ولم يفرِّق بين أنّ يبتاعَ الجَنِيبَ من مشترِي الجَمعِ أو من غيره، وبه قال الشّافعيُّ (¬4)، وأبو حنيفةَ (¬5)، وأكثرُ فقهاءِ الأمصارِ.
وقال مالكٌ: لا يفعلُ ذلك بحضرة العَقْدِ الأوّل، مخافةَ أنّ يكونا متواطِئَيْنِ عليه، فيرجعان بعمَلِهِما إلى ما نُهِيَا عنه، وهذا ينبني على قاعدة الذّرائع، وقد مهَّدنَا ذلك في أوَّلِ "الكتاب".
وأمّا حديث "البَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ" (¬6) فإنّ كثيرًا من العلماء جَنَبَهُ؛ لأنّ زيدًا أبَا عيَّاش (¬7) عندهم مجهولٌ (¬8)، ومن يروي عنه مالكُ بنُ أنسٍ ليس بمجهولٍ، فإنّ روايتَهُ عنه تعديلٌ؛ لِمَا ثَبتَ من عظيمِ تحرِّيهِ (¬9). وقد قال جماعةٌ من العلّماءِ: إنَّ المُزَكِّيَ في الشّهادة يجوزُ أنّ يكونَ واحدًا، فكيف في الخبر الّذي هو أَسْرَعُ في الإثباتِ؟!
¬__________
(¬1) يقول ابن حبيب في تفسير غريب الموطَّأ: الورقة 74 - 75 [1/ 374] "الجمع: خلطُ التَّمْرِ الّذي يَجْتَمِعُ فيه الطَّيِّبُ والرديءُ، والجَنِيبُ: المتخير الّذي نقي عنه حشفُهُ ورديئُه، قال عبد الملك: ولا يكون بيع الجمعِ واشتراءُ الجنيب من إنسان واحدٍ، ولكن يَبيعُ من هذا ويبتاعُ من هذا".
(¬2) أخرجه مالك في الموطَّأ (1825) رواية يحيى.
(¬3) هذه الزيادة رواها مسلم (1953).
(¬4) في السنن المأثورة: 459.
(¬5) انظر بدائع الصنائع: 5/ 184.
(¬6) تقدّم تخريجه أوّل الباب.
(¬7) هو أبو عياش الزُّرَقي، ويقال المخزومي. انظر تهذيب الكمال: 3/ 85 (2108).
(¬8) قاله ابن عبد البرّ في الاستذكار: 19/ 149 بصيغة: "فقيل: إنّه مجهول" وقد ذكره ابن حبّان في الثقات: 4/ 251. قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: 3/ 424 "وصحح التّرمذيّ وابن خزيمة وابن حبّان حديثه المذكور، وقال فيه الدارقطني: ثقة".
(¬9) يقول الحاكم في المستدرك: 2/ 38 عن حديث زيد بن عياش: "هذا حديث صحيح: لإجماع أيمّة النّقل على إمامة مالك بن أنس وأنّه محكم في كلِّ ما يرويه من الحديث، إذ لم يوجد في رواياته إِلَّا الصّحيح، خصوصًا في حديث أهل المدينة، ثمّ لمتابعة هؤلاء الأيمة إياه في روايته عن عبد الله بنيزيد، والشيخان لم يخرجاه لما خشياه من جهالة زيد أبي عياش".

الصفحة 88