كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 7)

العُجالة. ولهذا الباب أحكامٌ وفروعٌ كثيرةٌ تتفرع عليه، أضربنا عنها لِئَلَّا يطول الكلام، والله الموفّق.

باب ما جاء في القَذف والنّفي والتّعريض والتّعزير
الأصول (¬1):
قال الإمام: لا خلافَ أنّ الله تعالى جعَلَ الأعراضَ ثُلُثَ الدِّينِ في أبواب المَنهِيَّاتِ، وصانَها بالتّغليظِ فيها رَجمًا في الفَرجِ، فإنّه من العِرضِ، وحدًّا في النَّسَبِ؛ لأنّه سببٌ من أسبابِ الأحكام، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآية (¬2)، فصانه تعالى بالحدِّ، وقَصَرَ به عن الزِّنَا، ليُبَيِّنَ تَفَاوُتَ المراتبِ في المعاصي والفحشاء.
والرِّمْيُ (1) الّذي يُوجِبُ الحدَّ: كلُّ ما عَادَ إلى الفَرجِ، وغيرُ ذلك ففيه الأدبُ من السَّبِّ والإذاية، إِلَّا أنّ الشّريعة ألحقت حُكمَ الولاءِ بِحُكم الفَرجِ في أن جعلتها قطعةً منه، لقوله - صلّى الله عليه وسلم - في الصّحيح: "الْوَلَاءُ لُحمَة كَلُحمةِ النَّسَبِ" (¬3) فإذا وقع النّفيُ فيه، جَرَى الحدُّ عليه، إنزالًا له في تلك المنزلة. وزادَ مالكٌ - رحمه الله - على الفقهاء التّعريضَ (¬4)، فجعلَ له حُكْمَ* التّصريح، فقال: لأنّه قول يُفْهَمُ منه القَذْفُ، فوجَبَ فيه* الحدُّ؛ لأن أصلَهُ التّصريحُ، لا سيّما والكنايةُ عند العرب أبلغُ في المُخَاطباتِ من التّصريحِ، وخالفَ في ذلك الشّافعيُّ (¬5) وأبو حنيفةَ (¬6)، وفي ذلك منهما عَجَبَانِ عظيمانِ:
¬__________
(¬1) انظره في القبس: 3/ 1018 - 1019.
(¬2) النور: 4.
(¬3) سبق تخريجه.
(¬4) انظر المدوّنة: 4/ 391 في التعريض بالقذف، وانظر ايضًا المعونة: 3/ 1407.
(¬5) انظر الأشراف لابن المنذر: 2/ 69، والحاوي الكبير: 13/ 261.
(¬6) انظر مختصر اختلاف العلماء: 3/ 311، ومختصر الطحاوي: 265.

الصفحة 122