الحقّ، فقال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى} (¬1)، وقال عزَّ من قائل: {وَلَكُمْ في الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} الآية (¬2)، وبين الكلامين في الفصاحة والعدل بَوْنٌ عظيم.
قال علماؤنا: معنى "كُتِبَ" فُرِضَ ولزم، وكيف يكون هذا والقصاصُ غَيرُ واجبٍ؟ وإنَّما هو لخِيَرَةِ الوليِّ، ومعنى ذلك: كُتِبَ وَفُرِضَ إذا أردتم استيفاءه فقد كُتِبَ عليكم. شرحه كما يقال: كُتِبَ عليك -إذا أردت التَنَفُّل- الوضوءُ؛ وإذا أردتَ الصِّيامَ النِّيةُ.
وأمّا قولُه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى} (¬3) فقيل: هو كلامٌ عامٌّ مستقلٌّ بنفسه، وهو قول أبو حنيفة (¬4).
وقال سائرهم: لا يتمُّ الكلامُ هاهنا إِلَّا عند قوله: {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} (¬5) وهو تفسيرٌ له وتتميمٌ لمعناه؛ لأنّه ينقضي عند قوله: {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} (¬6) وهو قول مالك والشّافعيّ (¬7).
وقال علماؤنا (¬8): قوله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} (¬9) أراد به المساواةَ في الفعلِ والمَحِلِّ، إِلَّا أنّه اعتَمَدَ في القرآن بيانَ المَحِلِّ فقال تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} إلى آخر الآية (¬10)؛ لأنّه كان مَحِلَّ اعتداءِ القومِ، ثمّ بيّن النّبيُّ عليه السّلام بعد ذلك
¬__________
(¬1) البقرة: 178.
(¬2) البقرة: 179.
(¬3) البقرة: 178.
(¬4) انظر أحكام القرآن للجصاص: 1/ 164.
(¬5) البقرة: 178.
(¬6) البقرة: 178.
(¬7) انظر الحاوي الكبير: 12/ 8 - 9.
(¬8) انظر الكلام التالي في القبس: 3/ 983 - 985.
(¬9) البقرة: 178.
(¬10) البقرة: 178.