كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 7)
فإن قيل: فقد قال النّبيُّ لأهل القُبور: "السَّلامُ عَلَيكُم دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (¬1) وهذا نصٌّ؟
قلنا: الأوّل أصحّ فَليُعَوَّل عليه (¬2).
الثّالثة (¬3):
أجمع العلماء على أنّ الابتداء بالسّلام سُنَّةٌ (¬4)، وان الرَّدِّ فرضٌ، لقوله: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (¬5) ولو كان فرضًا ما سقط عن البعض بردِّ البعض. وقد وهم الطّحاويّ فيما حكاه عن أبي يوسف أنّه كان يُنكر الحديث الّذي رُوِيَ عن النَّبيِّ عليه السّلام أنّه قال: "إذَا رَدَّ السَّلَامَ بعضُ القَوم أَجزَأَ عن جَمَيعِهِمْ" وقال: لا يُجزِئُ إِلَّا أنّ يردّوا جميعًا.
وقال الطّحاويُّ: "ردُّ السّلام من الفُروض المتَعيّنة على كلِّ إنسانٍ بنفسه، لا ينوبُ عنه فيها أحدٌ غيره" (¬6) فجعله فرض عين، وهذا ما لم يقله أحدٌ من العلماء، وإنّما قالوا: إنّه من فروضِ الكفايةِ، إذا قام به البعض سقط عن الباقين.
ولأن أيضًا: ليس مع الطّحاوي فيما قال حُجَّةٌ، ولا أثر يحتجُّ به، من مُرْسَلٍ،
¬__________
(¬1) أخرجه مسلم (249) من حديث أبي هريرة.
(¬2) تتمّة الرَّدِّ على هذا الاعتراض كلما في العارضة: 10/ 168 - 169 "الثّاني: أنّه يحتمل أنّ يكون النّبيُّ -عليه السّلام- عَلِمَ أنّها عندهم تحية الميِّت فكره منه أنّ يقصدها، ففيها تطيَّر من تأويلها ... الثّالثة: أنّه يحتمل أنّ يكون الله أحياهم له حتّى بلغهم كلامه، فسلّم عليهم تسليم أمثالهم".
(¬3) هذ المسألة مقتبسة من الاستذكار: 27/ 135 - 136، مع بعض الزِّيادات، وانظر التمهيد: 5/ 288 - 291.
(¬4) قال المؤلِّف في أحكام القرآن: 1/ 467 "قال علماؤنا: أكثر المسلمين على أنّ السّلام سُنَّةٌ".
(¬5) النِّساء: 86، وانظر أحكام القرآن: 1/ 464 - 468.
(¬6) انظر مختصر اختلاف العلماء: 4/ 397.
الصفحة 510
632