كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 7)

وفي حديث آخر قَال:" فَإِنَّ اللهَ غَضِبَ علَى اُمِّةٍ فَمَسَخَهَا" (¬1)، فَلأجلِ ذَلِكَ كره أكلها. والصَّحيحُ جواز أكله لوجهين:
أحدهما: قوله: " لَا أنّهَى عَنْهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ" (¬2) فدخلت في قسم المباح (¬3).
والثّاني (¬4): قوله: "فَاجتَرَرْتُهُ فَأَكَلتُهُ وَرَسُولُ اللهِ يَنْظُرُ" (¬5) فاستدلَّ بسكوت النّبيِّ عليه السّلام على أنّه حلالٌ. وفي رواية: "لَو كَانَ حَراماَ مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ - صلّى الله عليه وسلم -" (¬6) فرأَوا أنّ أكلَهُ والنَّبىُّ ينظرُ، دليلٌ على تحليله؛ فإنّ النَّبىِّ -عليه السّلام- لا يسكتُ على فعلِ الحرامِ إذا رآَهُ؛ لأنّه يلزمه تغيير المنكر، ولو لم يُغيِّره لكان عاصيًا، والمعاصي لا تجوز على الأنبياء، وخصوصًا فيما طريقه تبليغ الشّريعة، فصحَّ أنّه حلالٌ.
ولا تقف على صحَّة مَسْخِهِ؛ لأنّ المُسُوخَ لم تنسل بِوَجْهٍ (¬7).
¬__________
(¬1) أوردها باللفظ نفسه في العارضة: 7/ 290، ولعلّه يقصد حديث مسلم (1951).
(¬2) لم نجد حديثا بهذا اللّفظ، ولعلّه يريد ما رواه مسلم (1943) عن ابن عمر: "لا آكله ولا أُحَرِّمُهُ"، أو يريد لفظ الموطَّأ (2776) "لست بآكِله ولا بمُحَرِّمه".
(¬3) قال المؤلِّف في العارضة: 7/ 291 "قيل لابن عبّاس: إنَّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "لا آكُلُهُ وَلَا أُحرمُهُ" فقال: والله ما بُعِثَ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -إِلَّا محلِّلًا أو محرمًا. ظَنًّا منه أنّ المُخبِرَ اعتقد أنّه أراد بقوله: "لا آكله" لا أحلله، وهذا لا يجوز، فلأجل ذلك أنكر ابن عبّاس على ذلك ما فهم منه، وإنّما أراد النّبيُّ -عليه السّلام- بقوله: "لا آكله" عيافةً، "ولا أحرِّمه" ولكن يبقى حلالًا لمن اعتاده. فأمَّا خروجه على قسم التحليل والتَّحريم فمحالٌ، وهذا يدلُّ على أنّ المكروه حلالٌ"، انظر مناقشة رأي ابن العربي في فح الباري: 9/ 666.
(¬4) انظر هذا الوجه في العارضة: 7/ 288 - 289.
(¬5) الموطَّأ (2775) رواية يحيي.
(¬6) أخرجها أبو عوانة (7705) والطحاوي في شرح معاني الآثار: 4/ 202، وابن عبد البرّ في التمهيد: 19/ 236 وقال: "وهذا الحديث من أصحِّ ما يروى من المُسنَدَاتِ في معنى حديث هذا الباب المرسل"، وهو حديث متَّفق عليه، أخرجه البخاريّ (2375)، ومسلم (1947).
(¬7) إشارة إلى الحديث الّذي رواه مسلم (2663) عن عبد الله بن مسعود، أنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ اللهَ لم يَجعَل لِمَسخ نَسلًا ولا عَقِبًا، وقد كانتِ القِرَدَةُ والخنازير قبل ذلك".

الصفحة 525