كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 7)

احتَجَمَ في وسَطِ رَأسِه (¬1).
الفقه في ثلاث مسائل:
المسألة الأولى:
تكلَّم العلماء في أجرته، فرُوِيَ أنّ ابن عبّاس كان ياكلها من خَرَاجِ غلمانه (¬2). والدّليل على جواز أجرته: إعطاؤهُ رسول الله أجرته على عمله من غير شرطٍ، وإن (¬3) رسول الله لا يعطي أحدًا ما لا يحلُّ كَسْبُه ويطيبُ أَكلُه، سواءٌ كان عِوَضًا من عمله أو غير عِوَضٍ، ولا يجوزُ في أخلاقه وسُنَّته وشريعته أنّ يعطيَ عِوَضًا على شيءٍ من الباطل.
الدّليل الثّاني: قولُه: "أَحفُوا الشَّوارِب وَأَعفُوا اللِّحي" (¬4)، وقولُه: "مِن السُّنَّةِ قَصُّ الشَّارِبِ" (¬5).
وهذا كلُّه يدلُّ على أنّ كسبَ الحجّام طيِّبٌ لا بأس به، وأن حديث أبي جُحيفَة عن النّبيّ؛ "أنّه نَهى عن ثَمَنِ الدِّم" (¬6) ليس من كَسْبِ الحجّامِ في شيءٍ، وأنّه لا وجه لكراهية أبي جُحيفَة لكسب الحجّام من أجل ذلك. وقد بيَّنَّا ذلك في كتاب البيوع بأحسن وجهٍ.
الثّانية (¬7):
قولُه - صلّى الله عليه وسلم إنَّ من أَمثَ-:"لِ ما تدَاوَيتم به الحِجَامَة" (¬8) "ومن خير ما تَدَاوَيتم به
¬__________
(¬1) أخرجه البخاريّ (5698) عن عبد الله بن بُخينَةَ.
(¬2) روى التّرمذيّ (2053) بسنده عن عبّاد بن منصور، قال: "سمعتُ عِكرمةَ يقولُ: كان لابن عبّاسٍ غِلْمَةٌ ثلاثةٌ حَجَّامُون، فكان اثنانِ منهم يُغِلَّان عليه وعلى أهله ... " قال التّرمذيّ: "هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ"، قلنا: والحديث أخرجه: أحمد: 1/ 354، وعبد بن حميد (574)، وابن ماجه (3477).
(¬3) من هنا إلى آخر المسألة مقتبس من الاستذكار: 27/ 238 - 239.
(¬4) أخرجه بهذا اللّفظ مسلم (259) عن ابن عمر، وانظر البخاريّ (5893).
(¬5) أخرجه البخاريّ (5890) عن ابن عمر، بلفظ:" من الفطرة .... "
(¬6) أخرجه ابن عبد البرّ في التمهيد: 2/ 224 من طريق شعبة عن عون بن أبي جحيفة وقال ابن عبد البرّ: " وهذا حديث صحيح "، واصله في مُسْنَد ابن الجعد (514) برواية البغوي، والبخاري (2086)
(¬7) الفقرة الأولى من هذه المسألة مقتبسة من الاستذكار: 27/ 241.
(¬8) أخرجه ابن عبد البرّ في التمهيد: 24/ 348 عن أنس، وهو في البخاريّ (5696).

الصفحة 550