كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 7)

الرّابعة (¬1):
هل النّهي عامٌ في جميع المدن والصَّحَارَى، أم هو مقصور على حيّات المدينة خاصّة؟ فخصّصه قوم بقوله: "إِنَّ بالمدينةِ جِنًّا قد أَسلَمُو" (¬2) ولم يذكر غيرها. والصّحيح أنّ المدينة وغيرها سواءٌ، لقوله: "نَهَى عن عَامِرِ" وفي لفظ: "عن عَوَامِرِ البيوتِ" (¬3) وكذلك قال مالكٌ، وكما أسلَمَ جنّ بالمدينة، يحتمل أنّ يكون أسلم بغيرها، هذا هو الغالب، والله أعلمُ.
الخامسة (¬4):
وهي أنّ الله تعالى يسَّرَ لهم بقُدرته التَّشَكُّل والتَّمثُّل في الهيئات، كما يسَّرَ لنا الشَّكل في الحركات. فإذا أرادت جهة، يسَّر لها الحركة إليها، وخلق لها القدرة عليها. والملائكةُ والجِنُّ في تَيَسُّر الهيئات لهم كالحركات لنا.
السّادسة (¬5):
في حديث الغار: "وُقِيَت شَرَّكُم كما وُقِيتُم شَرَّهَا" (¬6) وما نفعلُه نحن ليس بِشَرٍّ، وإنّما هو خيرٌ وأجرٌ، فإنّما سمّاه شرًّا لأنّه جزاء الشَّرِّ، كما قال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (¬7) فسمَّى الجزاء اعتداء، وليس على عادة العرب في مقابلة الألفاظ، وإنّما اختلاف المعاني.
¬__________
(¬1) انظرها في العارضة: 6/ 282.
(¬2) أخرجه مالك في الموطَّأ (2798) رواية يحيى.
(¬3) أخرجه مسلم (2233) عن أبي لُبَابَة، وانظر التمهيد: 16/ 19.
(¬4) انظر بعضها في العارضة: 6/ 281.
(¬5) انظرها في العارضة: 6/ 282.
(¬6) أخرجه البخاريّ (1830)، ومسلم (2234) عن ابن عمر.
(¬7) البقرة: 194، وانظر أحكام القرآن: 1/ 112.

الصفحة 554