كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 7)

هذا أخذه من كور العمامة (¬1)، ويروى: "بعد الكَوْنِ" (¬2) بالنّون، تقول العرب: حار بعد ما كان، يعني أنّه كان على حالة جميلةٍ فحار عن ذلك، أي رجع عمّا كان عليه من الخير (¬3). ومنه قوله: {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} (¬4) أي لن يرجع (¬5).
السّابعة:
قوله: "الكآبة" ظهور الحزن، وقد بيّنّا هذه المعاني واستوفينا معانيها بأشعارها في "النّيِّرين" بأبدع بيان. وقد أتقن الشّيخ الإمام أبو حامد الطّوسي -نوّر اللهُ ضريحه- هذا النّوع في كتاب آداب السّفر في "كتاب الإحياء" (¬6) حتّى أنّه ما ترك لأحدٍ فيه مقالًا، فلتقف عليه ففيه الشِّفاء.

ما جاء في الوَحْدة في السَّفَر للرِّجال والنِّساء
قوله (¬7): "الرّاكبُ شيطانٌ، والرّاكبانِ شيطانانِ، والثّلاثةُ رَكْبٌ".
وقولة (¬8): "الشّيطانُ يَهُمُّ بالواحدِ والاثْنَيْنِ، فإذا كانوا ثلاثةً لم يَهُمَّ بِهِمْ".
¬__________
(¬1) يقول ابن حبيب في تفسير غريب الموطّأ: الورقة 176 [2/ 201] وقد سمعتُ محمّد بن سلاّم البصريُّ يروي هذا الحديث من حور بعد كور، أخذه من كور العمامة، يقول: تغيرت حاله وانتقضت، كما ينتقض كور العمامة بعد الشَّدِّ، ورأيتُه يسمِّي نقض الكور حورًا، وكلّ هذا قريب بعضه من بعض في المعنى".
(¬2) رواه مسلم (1343) من حديث عاصِم الأَحْوَلِ، عن عبد الله بن سَرْجِس.
(¬3) يقول اليفرني في الاقتضاب: 112/ أ "وكان عاصم الأحول يرويه: "بعد الكون" بالنّون ... وهذا تصحيف صحَّفَهُ، وإنّما هو "الكور" بالرّاء، كذا رواه الحفّاظ من أهل الحديث، وكذا تنطق به العرب، لا خلاف في ذلك عند أهل اللّغة".
(¬4) الانشقاق: 14.
(¬5) قاله ابن حبيب في تفسير غريب الموطّأ: الورقة 476 [2/ 201].
(¬6) وهو الكتاب السابع من ربع العبادات من كتاب إحياء علوم الدِّين: 2/ 244 - 267.
(¬7) في حديث الموطّأ (2801) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مُصْعَب (2059)، وسُوَيد (757)، والقعنبي عند الجوهري (593)، ومعن عند التّرمذيّ (1674)، وقتيبة بن سعيد عند النسائي في الكبرى (8849)، وابن وهب عند البيهقي: 5/ 275.
(¬8) في حديث الموطّأ (2802) رواية يحيي، ورواه عن مالك: أبو مُصْعَب (2060)، وسُوَيْد (757)، قال ابن عبد البرّ في التمهيد: 20/ 8 "لم يختلف الرّواة للموطّأ في إرسال هذا الحديث، وقد رواه ابن أبي الزَّناد مُسْنَدًا عن أبي هريرة".

الصفحة 558