كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 7)

وفي الآثار: "لا يَرْمِي رجُلً رَجُلًا بِالفِسْقِ أو بِالكُفْرِ، إلاَّ رُدَّتْ عَلَيْهِ إنْ لم يكن صَاحِبُهُ كذلك" (¬1).
المعاني فيه (¬2):
قوله: "باءَ بها" يعني بوزرها. ومعناه: أنّ الكافر إذا قيل له: يا كافر، فهو حاملٌ وِزْرَ كُفْرِهِ ولا حرج على قائل ذلك. وكذلك القولُ للفاسقِ: يا فاسق، فقد باء قائلُ ذلك بِوِزرِ الكلمة واحتملَ إِثمَهَا (¬3).
الحديث الثاني (¬4):
حديث أبي هريرة؛ أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سمِعْتَ الرَّجُلَ يقولُ: هَلَكَ النّاسُ؛ فهوَ أَهْلَكُهُمْ".
¬__________
(¬1) أخرجه أحمد: 5/ 181، وابن منده في الايمان (593)، والبيهقي في الشعب (6663)، وابن عبد
البر في التمهيد ة 17/ 23، والاستذكار: 27/ 299 - 300.
(¬2) هذه المعاني مقتبسة من الاستذكار: 27/ 300.
(¬3) بقول ابنُ حبيب في تفسير غريب الموطأ: الورقة165 [2/ 170] "يعني بقوله: فقد باء بها أحدهما، فقد انقلب بها أحدهما، وهو مثل قوله: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 29] يعني: تنقَلِبَ بإثمي وإثمِكَ. ومعنى الحديث: إن كان الذي قيل له ذلك كافرًا، فهو كما قيل له: وإن لم يكن كذلك، فالذي قال ذلك له [يكون] كافرًا، ولا أراه أراد بذلك إلاّ الخوارج الذين يكفِّرون أهل الإيمان على الذّنوب، ومن رأى رأيهم وذهب مذهبهم. فأما من قاله على وجه استعظام ما يرتكبه الرّجل من المعصية وإظهار الشَّرِّ على الزّجر له والنّهي والتّوجُّع لما يُبدِيهِ، فليس من هذا، إنّما معنى هذا الحديث فيمن قاله على حالة التكفير بالنّية والبصيرة، كذلك أخبرني مطرف عن مالك".
ويقول ابن عاشور في كشف المغطّى: 377 "وليس المعنى: فقد باء بصدق السّبّ أحدهما: أي باء كافرًا؛ لأنّ اللفظ لا يقتضيه والقواعد الشرعية تنافبه، ولأن السّبّ إنشاءٌ: والإنشاءُ لا نسبةَ له في الخارج مطابقة أو لا مطابقة، وبهذا اندفع عن الحديث الإشكال".
(¬4) في الموطّأ (2815) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مُصْعَب (4070)، وابن القاسم (442)، والقعنبي عند الجوهري (435)، والطباع عند أحمد: 2/ 465، وروح بن عبادة عند أحمد أيضًا: 2/ 517، وابن أبي أويس عند البخاري (759)، ويحيى بن يحيى النيسابوري عند مسلم (2623).

الصفحة 570