كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 7)
تصوير الباطل في صورة الحقِّ، وقد قال رسول الله في المتَفَيْهِقِينَ أَنَّهُمْ أبغضُ الخَلْقِ إلى اللهِ (¬1).
وقال آخرون -وهم الأكثر عددًا-: إنّه كلام أريد به المدح، قالوا: والبيانُ ممدوح، بدليل قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (¬2)، وبدليل قوله (¬3):"فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهَا" ولأنّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أعجبه مع أنّه أميرهم بالفصاحة، فشبَّهَهُ بالسِّحر لِغَلَبَةِ السِّحر على القلوب واستمالته إليها، وهذا هو الحقُّ.
حديث مالك (¬4)؛ أنّه بلغه: أن عيسَى بنَ مريمَ كان يقول: "لا تُكثِرُوا الكلامَ بغير ذِكْرِ اللَّهِ فَتَقْسُو قلوبُكُمْ؛ فإنّ القَلْبَ القاسي بعيدٌ من اللهِ" الحديثُ صحيحٌ (¬5).
قال الإمام (¬6): يريد -والله أعلم- أنّ الكلام بغير ذكر الله يكون لغوّا وإن كان منه المباح، فقد يكون منه المحظور، فالغالب عليه ما تقسو به القلوب.
وقوله: "فإن القلبَ القَاسِي بعيدٌ منَ اللهِ" يريد: بعيد من رحمة الله.
وقوله: "ولا تَنْظُرُوا في عُيُوبِ الناسِ كأنَّكُمْ أَرْبَابٌ" يريد أنّ العبد لا ينظر في
¬__________
(¬1) رواه ابن أبي شيبة (25320)، وأحمد: 4/ 193، وابن حبان (482، 5557)، وهناد بن السريّ في الزهد (1255)، وابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (177)، والحارث كما في بغية الباحث (852)، كلهم من حديث أبي ثعلبة الخشني. قال الهيثمي في المجمع: 8/ 21 "رواه أحمد ... ورجال أحمد رجال الصحيح".
(¬2) الرّحمن: 3 - 4.
(¬3) أي قول عبد الله بن عمر في حديث الموطّأ (2820) رواية يحيى.
(¬4) في الموطّأ (2821) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (2075)، وسوبد (762)، وابن المبارك في الزهد (135)، والقعنبي عند البيهقي في شعب الإيمان (5023)، وأبي نعيم في الحلية: 6/ 328.
(¬5) أخرجه ابن أبي شيبة (31879، 34230)، وهناد بن السري في الزهد (1122)، وابن أبي عاصم في الزّهد: 56، وأبو نعيم ني الحلية: 6/ 58، وابن عبد البر في الاستذكار: 27/ 323.
(¬6) من هنا إلى بداية حديث بلال مقتبس من المنتقى: 7/ 311.
الصفحة 576
632