كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 7)

ما جاءَ في عَذَابِ العَامّة بَذَنْبِ الخَاصَّةِ
والأحاديث في هذا الباب صِحَاحٌ، وأصحّ ما فيه، ما خرّجه البخاريّ (¬1) وغيره (¬2): "حديث زينب بنت جَحْش" قال النّبىُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ مِقْدَارُ هذه" وأشار بإصْبَعِهِ، فقالت: يا رسول الله، أَنَهْلِكُ وفينا الصّالحون؟ قال: "نَعَمْ إذا كَثُرَ الخَبَثُ".
وأدخل مالك حديث عمر بن عبد العزيز (¬3)، كان يقول: "إن اللَّهَ تعالى لا يُعَذِّبُ العَامِّةَ بِذَنْبِ الخَاصَّةِ (¬4)، ولكِنْ إذَا عُمِلَ المُنْكَرُ جِهَارًا، وَلَمْ يُغيِّرُوا (¬5)، اسْتحَقُّوا العُقُوبَةَ كُلُّهُمْ".
قال الإمام (¬6): هذا واضحٌ، فإنّه لا يَلْزَمُ التِّغييرُ إلَا لِمَنْ له قُدرَة من العزّة والمنَعَة. وإنّه لا يستحقُّ العقوبةَ إلّا مَنْ هذه حالُه. وأمّا من ضَعُفَ عن ذلك، فالفَرْضُ عليه في ذلك التّغييرُ بقَلْبِه، والإنكارُ والكراهيّة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يكونُ عليكم أُمراءُ تَعْرِفُونَ وتُنْكِرُونَ، فمن أَنْكَرَ فقد بَرِىءَ، ومن كَرِة فقد سَلمَ، ولكن من رَضِيَ وتَابَعَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ" قيل: يا رسول الله، أفلا نَقْتُلُهُمْ؟ قال: "لا، ما صَلُّوا" (¬7).
قال الإمام: وكلُّ من رَضِيَ بالفعل فكأنّه فعَلَهُ.
وقال الحسن: إنّما عَقَرَ النّاقةَ رجلٌ واحدٌ، أجير ثَمُودَ، وَعَمَّهُم اللهُ بالعقوبةِ؛ لأنّهم عَمُّوا فِعْلَهُ بالرِّضَا.
¬__________
(¬1) الحديث (3346) من حديث عروة بن الزبير.
(¬2) كالإمام عبد الرّزاق الصنعاني (20749)، والحميدي (308)، وابن أبي شيبة: 15/ 42، وأحمد: 6/
428، ومسلم (2880)، والترمذي (2187) وغيرهم.
(¬3) في الموطّأ (2836) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (2093)، وسويد (776).
(¬4) المراد بالعامّة: الجميع، أي عذاب جميع الناس، والمراد بالخاصة البعض. قاله ابن عاشور في كشف المغطّى: 381.
(¬5) قوله: "ولم يغيروا" مدرجة في الحديث، وهي ثابتة في الأحاديث المروية من غير طريق مالك.
(¬6) من هنا إلى آخر الباب مقبس من الاستذكار: 27/ 375 - 376.
(¬7) أخرجه مسلم (1854) من حديث أم سلمة، وانظر التمهيد: 24/ 312 - 313.

الصفحة 589